للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المال، وعملت من لحيتك العريضة وعمامتك المنيفة شبكة لاصطياد الدنيا، أو كتمت الحق ابتغاء الخطوة عند العامة أو الزلفى إلى الحاكم فهي خيانة، إلى غير ذلك من الصور والأشكال.

بل إنك إذا دققت وتلطفت وجدت هذه الجوارح التي أعطاكها الله أمانة في يدك، فإذا نظرت بعينك إلى حرام أو حركت به لسانك أو خطوت إليك برجلك، أو مددت إليه يدك، فقد خنت أمانتك، بل إن عمرك كله أمانة لديك، فلا تنفق ساعة منه إلا فيما يرضي (صاحب الأمانة)!

فأين المسلمون اليوم من هذا؟

لقد رأيت من قلة الأمانة، عند الصناع والتجار والعلماء والجهلاء ومن يظنّ به المغفلون الولاية ويرونه قطب الوقت ما لا ينتهي حديثه ولا العجب منه، وما خوفني الناس أن أعاملهم، حتى جعلني أحمل هما كالجبل ثقلاً كلما عرضت لي حاجة لابد فيها من معاملة الناس، ولا والله لا أتألم من اللص يتسور على الجدار ويسرق الدار، كما أتألم من الرجل يظهر لي المودة ويعلن التقى، فإذا كانت بيني وبينه معاملة، وتمكن من أكلني بغير ملح. . . وتعرق عظامي!

تذهب إلى الخياط الحاذق الذي ألفته وألفك واستمررت على معاملته عمرك، والخياط من شرور المدنية لا يستغني اليوم عنه، وقد انقضى زمان كان الرجل فيه يخيط لنفسه أو يخيط له أهله. وكان الثوب يتخذ فيه لمجرد الستر والدفء، ولم يبق لك منجي من أن تؤم الخياط تحمل إليه (الجوخ) الثمين، وتسأله أن يضرب موعداً لا يخلفه ينجز لك فيه ثوبك الذي تريده للعيد أو للزفاف أو للسفر. ولكل واحد من أولئك وقت لا يتقدم عنه ولا يتأخر، فالعيد لا ينسأ لك في أيامه، والزفاف إن أعلنته لا يؤجل، فيعدك ويؤكد الوعد، فإذا جئت في اليوم الموعود وجدته لم يمس بعد قماشك، فإذا زجرته أو أنبته أخذك باللين وراغ منك وحلف لك مائة يمين غموس. . . إنه نسي أو مرض، أو إنه لم يعدك في هذا اليوم ولكن كان (سوء تفاهم)، وإنك راجع في يوم كذا فواجد ثوبك معداً، وتعود ويعود إلى كذبه، حتى يمضي العيد أو الزفاف، ولا يبقى للثوب فائدة، وربما جعله قصيراً أو ضيقاً أو ممتلأ أو مضاعفاً أو مجوفاً. . . أو على خلاف ما استصنعته عليه ولا حيلة لك فيه، ولا سبيل إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>