للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جميعاً في جوهر واحد وصورة واحدة.

العلم والفن يتكلمان عن الجواهر، يتكلمان عن الإنسانية الصافية الخالصة، في آمالها وطموحها وماضيها وحقائقها التي لا تتغير. هما يخدمان الإنسان، كل بأسلوبه المفيد وطريقته الفذة التي لا يقصر فيها ولا يجاوز طوره وصورته مختلفة، فإن حقيقة العلم واحدة وصورته واحدة أيضاً.

ومن هنا نجد العلم لا يختلف من إنسان إلى إنسان ولا من وقت إلى آخر. ومهما تقلبت الظروف بالإنسان فإن الحقيقة العلمية لا تتغير زيادة ولا نقصاً. بخلاف الحقيقة الأدبية فإنها تختلف من إنسان إلى إنسان، ومن وقت إلى آخر، وتستتبع من العواطف والصورة والأفكار ما يتغير من زمان إلى زمان.

والإنسان ليس هذا الذي تجده أمامك في هذه الساعة وأنت تخطئ في تقويم الإنسان حين لا تراه إلا هذا الحاضر بين يديك، المتحدث إليك، الناقل عنك والذي تنقل عنه. الإنسان ليس أبن اللحظة الراهنة، وليس أبن الماضي وحده، إنما هو أبن اللحظة الراهنة وابن الماضي وابن المستقبل أيضاً. هو أبن لآماله وطموحه، وابن لواقعه الذي هو فيه وابن لماضيه الذي أصبح شيئاً يؤسف عليه أو يؤسف منه.

وماضي الأفراد مختلف من فرد إلى فرد. ومستقبل الأفراد مختلف من فرد إلى فرد. وحاضر الأفراد مختلف من فرد إلى فرد. ولذا تجد الإنسان منا في حاجة إلى الخيال الواسع، والبصيرة المنيرة والحساسية النافذة، حتى يقوم زميله وأخاه، وحتى يحكم عليه حكما صوابا أو مقاربا إلى الصواب.

أنا ثقافتي أزهريه؛ فقد تخرجت في الأزهر، وتخرجت في معهد التربية. أما جاري فثقافته جامعية، تخرج في المدرسة الثانوية، وتخرج في كلية التجارة. وجاري الآخر نشأ فلاحاً يبذر بالبرسيم ويحصد القمح. فنحن مختلفون في نشأتنا، مختلفون في ماضينا، مختلفون فيما ينسج من آمال مستقبلنا، إننا أناس تجمع بيننا أسباب عارضة ليست في قوة الأساليب التي تجعل لكل منا فردية وحدة وشخصية مستقلة.

فالخلاف بين الإنسان والإنسان واسع. خلاف في العاطفة. خلاف في الفكرة. خلاف في الإحساس. خلاف في كيفية هذا الإحساس. خلاف في الحاضر. خلاف في الماضي. ومن

<<  <  ج:
ص:  >  >>