للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غير شك خلاف في المستقبل. خلاف في أسلوب التعامل. خلاف في الفرح والرضى. خلاف في الحزن والبكاء. خلاف في أنفاس الحياة وتسوية البنان.

وهذا المدى الواسع من الخلاف يجعل لكل إنسان شخصية تتمايز عن غيرها من الشخصيات تمايزا ظاهراً. وهذا التمايز الظاهر يجعل لكل منا أسلوباً خاصاً في الفهم، والتعامل، والاستجابة لأحداث الحياة الدقيقة والجليلة. وهذا التمايز نفسه هو الذي تتعلق به آمال الطاقة البشرية في أن يبلغ كل فرد غاية إمكانياته للبذل في سبيل الإنسان.

والتذوق الأدبي يختلف على هذا المدى الواسع. فأنت تقرا قصيدة فتعجب بها وتذهب تصف إعجابك وتبرره. ويقرؤها غيرك وقد لا يعجب بها أو قد لا يعجب بها هذا الإعجاب الذي أعجبته، ثم يذهب يبرر مسلكه تجاه هذه القصيدة. وإن كتب على الناس أن يظلوا مختلفين فمن المحقق أن تذوقهم للروائع الأدبية لا يمكن أن يتفق، بل يظل مختلفاً أوسع الاختلاف وأشده. مختلفاً تبعاً لاختلاف الطفولة، واختلاف موارد الثقافة، واختلاف فلسفة الفرد في الحياة، واختلاف آمال المستقبل، واختلاف التركيب العضوي الذي يستتبعة في التركيب النفساني من فرد إلى فرد.

فالتذوق الأدبي مختلف من فرد إلى فرد وأن كنا نعلم الأدب يتكلم عن الجواهر، والجواهر لا تتغير - ولكن صورة الجوهر، والعواطف التي يثيرها، والآثار التي يستتبعها، تختلف من إنسان إلى إنسان، وان كان الجوهر في ذاته واحداً. فهذا الجوهر الواحد يقبل التشكيل فيما يخرجه الرجال المقتدرون من أنبياء الفن، ولكنه لا يقبل التشكل فيما يخرجه الرجال القادرون على البحث والتجريب.

قال أبن الدمينة:

وأنت التي كلفتنيدلج السرى ... وجون القطا بالجلهتين جثوم

وأنت التي قطعت قلبي حزازة ... وفرقت قرح القلب فهو كليم

وأنت التي احفظت قومي فكلهم ... بعيدا الرضى وإني الصدود كظيم

هذه الأبيات الثلاثة تتكلم عن حقيقة هي ما يلقاه المحب من عنت وإرهاق، وما يعترضه من عقاب في سبيل حبه هذه الحقيقة جوهر لا يتغير، ولا بد أن تظهر عليه إن توفرت أسبابه ودواعيه. ولكن أبن الدمينة أختار ألفاظا خاصة، وصوراً خاصة، وعاطفة خاصة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>