وأرباب الرسالات لا يلون مهمتهم ارتجالاً ولا يرقبونها عفواً، وإنما يحققون في أنفسهم قدرة الاضطلاع بالأعباء. ومما لا ريب فيه أن الإعداد الصحيح للطالب العربي يجب أن يتناول الجسم والخلق والثقافة، وهؤلاء فريق من طلاب العرب قدموا مصر ليغترفوا من جامعتها ثقافة وعلماً؛ ومصر حين تقوم نحوهم بواجبها وتفسح لهم صدرها، إنما تؤدي إليهم ديناً في عنقها، فإن علماءهم وأدباءهم دانوها في مفتتح نهضتها وفي ماضي حضارتها، وقد بايعت الأمم العربية اليوم مصر بالزعامة في الأدب والثقافة والاجتماع والسياسة، فمن واجب مصر الزعيمة أن تعرف لهذه الزعامة حقها، وأن تنهض بتكاليفها، وأن تخص الطلاب العرب برعايتها
ولعل مما يحسن أن يتوجه إليه الطالب العربي في الأخذ بأسباب رسالته أن تكون ثقافته كاملة؛ فنحن بنو زمان هيمن فيه العلم على الأدب والقانون وعلى الطب والهندسة ومرافق الحياة كلها في السلم والحرب. فالإعداد العلمي ضروري لمغالبة هذه الحياة. ولن يصلح الآن أن يستقبل المرء حياته معتمداً على التجربة أو متكلاً على الحظ؛ فذلك إن أجدى عرضاً على فرد فلا يجدي على أمة؛ وإن صلح فلا يصلح لهذا العصر الذي يهيمن العلم على كل مرافقه وأوضاعه.
وعلى الطالب العربي وهو يستكمل ثقافته أن يضع ماضي العروبة نصب عينيه؛ فإن كان خيراً ترسمه أجمع، وإن كان الخير فيه مخلوطاً بالشر نفى عنه شره واستبقى الخير، وإن كان قد غلب الشر في حقبة من الزمن وجب اختطاط خطة تقوم على الخير الغالب. وإن وراء العرب لماضياً حافلاً بالمفاخر، وحضارة امتدت إلى ما وراء العمران. وكان سبيل الأولين من أسلافنا أن ينتفعوا بما يستطيعون الانتفاع به من علوم الأمم وفلسفاتها ونظم الحياة فيها، فاتخذوا من مختلف الأخلاط مزاجاً جديداً له روعته؛ وبقى هذا المزاج حتى صار أساساً لحضارة العرب الحديثة، فرده الغرب إلينا غريباً علينا. فمن واجب الطالب العربي أن لا ينسى ماضيه لأنه حلقة الاتصال بالحاضر والامتداد إلى المستقبل، وإذا أهملنا هذا الماضي فقد أهملنا مجداً عظيماً تتقطع بنا الأسباب دونه، ونفقد ما لنا من طابع وروح. وكيف نزهد في ماض ينطوي على المثل العالية في التفدية والجهاد، ويصور لنا عظمة في الخلق، وقوة في العقيدة دانت بها ممالك الدنيا جمعاء؟ فلنتبين سر هذا الماضي،