عليه كثير من الدوائر العلمية وغير العلمية لا بحجة آرائه المتطرفة فيما هو بسبيله من مباحث ونظريات فقط، ولكن بسبب يهوديته أيضاً
ولم يثر أحد من العلماء حوله من الخصومة مثل ما أثار فرويد، ولكنه ألح بآرائه على خصومه إلحاحاً عجيباً حتى سحرهم بها وحتى جعلهم من أشد المعجبين بها والمتحمسين لها. وبحسبك أن تعلم أنه ما من قصة حديثة أو درامة يقدمها كاتب إلى مسرح من المسارح إلا ولفرويد أثر كبير في صاحبها. فليس في العالم الآن كاتب لم يدرس نظريات فرويد في العقل الباطن، وليس في العالم الآن باحث سيكلوجي أو مرب لم يهتد في أبحاثه أو فنه بمجهودات فرويد وتحليلاته العجيبة لهذه النفس الإنسانية التي لم نكن قبله نعرف منها إلا جانباً قليلاً:
ولقد كتب فرويد - هذا الأسبوع - بمناسبة بلوغه الثمانين - كلمة جاء فيها:
(العقل الإنساني في نظري عبارة عن جبل من الجليد طاف في الماء، لا يبرز منه فوق السطح غير سبعه فقط، أما الأسباع الستة الأخرى فهي دائماً تحت السطح. . .) وكأنه يريد أن يقول إننا لا نعرف من العقل إلا سبعه فقط، أما ستة أسباعه الأخرى - وهو ما يسميه العقل الباطن - فمضمرة، لا نعرف منها إلا القليل. وفرويد على حق في هذا التشبيه الغريب للعقل لأنه هو قد أثبت أن العقل الباطن إن هو إلا خزانة عجيبة اختبأت فيها غرائز الإنسانية الأولى وميولها الفطرية التي هي تراث الأحقاب والآباد والتي تطفو على السطح فتكون ذات أثر بليغ في عقلنا الواعي
وبالرغم مما لهذا الباحث العبقري من آراء ونظريات في الإيحاء والأحلام والاستهواء والمركبات والعُقد النفسانية فأنه ينفي عن نفسه في كلمته التي أشرنا إليها أنه صاحب نظرية أو مذهب أو أنه استحدث علماً جديداً. . . فهو يقول:(يخطئ من يزعم أنني صوفي أعطف على الإنسانية أو أحب الخير للبشر، أو أنني عالم صاحب نظريات استحدثتها بعد أن كانت خافية على الناس. . لا. . لست شيئاً من ذلك. . بل أنا أدع الناس يحلمون أحلامهم وقد أتركهم يستغرقون أنفسهم في مستقبلهم. . . ثم أقف منهم عن كثب ألاحظ وأشاهد وأتفرج. . . ثم أقيد ملاحظاتي، وأقارن وأعلل وأؤلف!)
وعلى ما بلغه فرويد من الثقافة العالية فأنه ما يزال يهزأ من مدارك الإنسان ويدعوها