واحد من الناس يظهر فيهم على غير إعداد منهم، يتجرد من كلُّ ما يشغل الناس من إقبال على الدنيا واستمتاع بها، جاعلاً شغله الشاغل دعوة قومه إلى فاطر الفطرة وخالق الناس. ثم هو لا يدعوهم من عنده فيلتبس عليهم بالفلاسفة والحكماء الذين يكثرون في بعض العصور ولا يكاد يخلو منهم عصر، ولكن يدعوهم باسم الله الذي خلقهم، مؤكداً لهم أن مرسل إليهم من عند لله ربهم برسالة ليس له فيها إلا التبليغ. وسواء آمن به كثير أو آمن به قليل، فإنه هو يعمل في جميع الأحوال بما يدعو إليه من دين مهما شق العمل به على الناس. ويتحمل في سبيل تأدية الرسالة على وجهها ما يتحمل، لا يصرفه عن رسالته أذى أو إغراء. فهو يطلع على الناس طلوع نجم أو قمر أو شمس أو مذنَّب: يجري مجراه ولا يحيد قيد أنمله عن مسراه.
تلك ظاهرة تاريخية، ولكن فيها كلُّ ما في الظواهر الفلكية من صفات أساسية: فيها التجدد، وفيها رغم تجددها الاطراد؛ وفيها التجرد عن هوى البشرية ومشاغلها، وفيها التقيد بأوامر فاطر الفطرة سبحانه تقيد النجم في مشرقة ومغربه، وفيها الإشراق على الناس بهدى الله كما تشرق الشمس عليهم بالضياء.
وتصحب النبوة والرسالة عادةً ظاهرةٌ أخرى هي أشبه بما يشتغل به العلم من الظواهر نسميها معجزة ويسميها القرآن آية. وهي دليل دعوى النبي أو الرسول أنه نبي الله ورسوله؛ وهي حجة الله على من شهدها أو تواتر سماعه بها عمن شهدها. والمعجزات تشبه ظواهر الفطرة في أنها مما لا يقدر عليه الإنسان. كلها تشترك في هذا التفرد لتكون دليلاً عند من يعقل على أن الذي أجراها على يد الرسول هو الله فاطر الفطرة ومرسل الرسول.
والعلم أسرع إلى التسليم بمثل هذا الدليل أن ثبت إليه لديه وقوعه، لأن العلم أعرف وأبصر بعجز الإنسان عن خرق عادة الفطرة وسننها في الكون. فابتلاع العصا لِعصيّ السحرة وحبالهم، وإبراء الأكمة والأبرص في لحظة. وإحياء الموتى بكلمة - هذا وشبهه يعرف العلم ويعرف الناس أنه مما لا يقدر عليه البشر. فلو ثبت لدى العلم وقو عه في ظروفه لسلَّم العلم بدلالته.
لكن إذا قُدر أن يبحث العلم الأديان عن طريق بحث ظاهرة النبوة فسيجد أن العقبة في