سبيله هي أن معجزاتها قد مرت وانقضت فهو لا يجد سبيلاً إلى بحث شيء منها. إلا معجزة واحدة لرسول واحد على دين واحد: إلا القرآن، معجزة الإسلام على يد محمد بن عبد الله. لقد ذهبت المعجزات كلها وبقى، وتغيرت الكتب وحرفت ولم يتغير هو ولم يحرّف. وعلى أي حال فهو هنا معنا ومع العلم والعلماء لمن شاء أن يبحث أو يفحص. فلو قدر للإنسانية أن تفحص الأديان بعقلية علمية لما وجدت غير الإسلام يثبت للفحص العلمي، إذ ليس غير الإسلام دين بقيت معجزته إلى اليوم وتبقى إلى ما شاء الله لتكون موضوع بحث وامتحان وفحص، وليهتدي البشر بفحصها إلى الله، وليعلموا عن طريقها أن الإسلام هو دين الله فاطر الفطرة وخالق الناس: جعل كتابه عين معجزته ومعجزته عين كتابه ليكون حفظ الدين وحفظ معجزته أمراً واحداً سواء، ولتدوم حجة الله على الناس.
ودلالة القرآن على نفسه أنه من عند الله لا من عند بشر أم تنبهر منه العقول إذا نظرت فيه علمية صادقة. ففيه أولاً التحدي: تحدي العرب وتحدي البشر أن يأتوا بسورة من مثله. وهذا التحدي وحده دليل عجيب على أنه ليس من عند محمد. فلو علم محمد من نفسه أنه قائله ما اجترأ وهو ما هو من العقل، وهم ما هم من الفصاحة، أن يتحدى العرب بل البشر أن يأتوا بمثله، ثم بعشر سور من مثله، ثم بسورة، ثم يجعل أقصر سورة لا تزيد على عشر كلمات!
فهذا من غير شك دليل عجيب. وأعجب منه عجز العرب خصومه - وقد كانوا جميعاً خصومه في الأول - أن يقبلوا هذا التحدي ويهدموا محمداً ودعوته بالإتيان بسورة من مثل سور القرآن القصار.
وعجزهم ذلك جاء مصدقاً لنبوءة تنبؤها لهم حين تحداهم أنهم لن يفعلوا. ولم يفعله أحد من البشر إلى الآن. فأعجب من كلمتين اثنتين - ولن تفعلوا - قامتا بصدقهما المستمر معجزة باقية على الزمن.
وعجز العرب والبشر عن سورة قصيرة من القرآن أمر غريب عجيب يجعل من القرآن الكريم ألف معجزة في معجزة، لأن القرآن قدر أقصر سوره آلافاً من المرات.
وسر هذا العجز نفس سر العجز البشر عن خلق شيء مما حولهم في الفطرة. فالقرآن والفطرة كلاهما من عند فاطر الفطرة بل هو دين الفطرة وكتابها. وقد جهد الإنسان قديماً