للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكشفون مع وجودها حركات نفسه الطبيعية التي فطره عليها الله، وأنت تعرفه كذلك من صوته وإشارته وحديثه الذي يتكلف به التفهم بحسب أصول البيداجوجيا. . . وذاك تعرفه محامياً من لباقته ورشاقة ضميره التي تبدو في اتساع آفاق أحاديثه، تلك الأحاديث التي يحرص المحامي البارع كل الحرص على أن تكون كلاماً لا معنى له حتى إذا اختلف مع موكله بعد الحكم الابتدائي استطاع أن يتفق مع خصم موكله ليترافع عنه لدى محكمة الاستئناف. . . وذلك تعرفه سمساراً من سهولة دخوله على الناس وسهولة خروجه من الناس، فهو يحدث من يشاء بما يشاء إلى أن يشاء قطع الحديث ليحدث آخر بما يشاء أيضاً حتى يرى أن يصل الاثنين وأن ينسحب هو ليصل غيرهما بالحلال أو الحرام. . . وأخر تعرفه عسكرياً من سماحة عقله وسماحة نفسه فهو لا يطمع من الدنيا في شيء أكثر من الذي يطمع الإنسان فيه إذا كان في (استراحة) إحدى المحطات: لقمة سائغة، وشربة هنية، بعدهما جرس القيام. . . ثم الصحافي تعرفه صحافياً بقدرته العجيبة على دس نفسه فيما يعرف وفيما لا يعرف، وبقدرته الأخرى على الاستخفاف بحكم الناس عليه؛ فهو يقبل عليهم في النكبة لا ليشاركهم الأسى ولا ليواسيهم ولا ليخفف عنهم وإنما ليراهم كيف يبكون، وكيف يذرفون الدمع، وليته مع ذلك يحاول أن يعرف هذا البكاء وهذا الدمع هل هما صادقان أو هما كاذبان وإنما الذي يعنيه هو تسجيل الوقت الذي بدأ فيه البكاء والوقت الذي انتهى فيه، وتقدير الدمع الذي كأنما ناس يريدون أن يشربوه أو أن يعوموا فيه. . . وهكذا

هذا شيء يحدث. . . وأنت تستطيع - كغيرك - أن تميز الناس بالنظرة الأولى أو بالنظرة الثانية، فما الذي يحدث للناس حتى يتشكلوا هذا التشكل الذي يحددهم ويحصر شخصياتهم؟ وهل تحدد الشخصية وانحصارها مما يدل على قوتها، أو مما يدل على ضعفها؟

أما الذي يحدث للناس، فيكون من أثره أن تتشكل شخصياتهم وأت تتحدد وأن تنحصر وأن تتميز، فهو أن الواحد منهم يقع تحت تأثير عاطفة من العواطف أو حرفة من الحرف، ويتركها تعمل في نفسه. والنفس كما نعلم تعمل في البدن، ولكل عاطفة لون من العمل تنصبغ به النفس ويتشكل به البدن. ومهما كان الخير في العاطفة الواحدة أو في الحرفة الواحدة، فإن تغلبها على الإنسان فيه اختلال لتوازنه النفسي وفيه تشويه لشكل بدنه، فالله لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>