السابعة مساءً، أي أن النهار كان يولد ويموت وأنا بعيد عنه وعن ضوء شعاعه البهيج. .
حقاً، ما أتعس حياة التلميذ.
كان الخادم المكلف بمرافقتي من المدرسة إلى المنزل يتأخر أحياناً لدى الخروج، فكنت أجهش بالبكاء مخافة أن أقضي ليلى أيضاً بالمدرسة. .
وكان لى رفيق بالمدرسة، مصري كذلك، يبكى مثلي إذا تأخر عنه خادمه، فيا لنا وقتئذ من جوقة ندابة
أما داخل المدرسة فكان الراهبات الطيبات لا يألون جهداً في تحبيب الحياة المدرسية ألينا، فكن يغمروننا بالهدايا، من ورق ملون وحاوى وغيرهما. . ولكن برغم هذا كله كنت أطمح إلى استرداد حريتي المفقودة، فما أبعد الفرق بين حياة تقضى بين جدران أربعة في وسط الغرباء وبين حياتي الأولى التي كنت أقضيها في رياض المطرية الغناء، متنقلا بين الخضرة والزهور.
إن الحرية لا تقدر في كل وقت وفي كل زمن؟
كم كان يرهقني في ذلك الوقت حفظ أشعار لافوتين؟
فكنت أبغض ذلك الشاعر المسكين، كما كنت اسخر منه، لأنه يجعل الحيوانات تتكلم شعراً. . من رأيي إلا يدرس لافوتين وأمثاله في مثل هذه السن التي لا يمكن فيها تقدير هذه النفائس الأدبية. .
ولكن ذهابي إلى تلك المدرسة لم يدم طويلاً، فقد فصلت منها لكثرة انقطاعي عنها، فجيء لي حينئذ - بفضل تعضيد والدي - بمدرسين في المنزل فكان هذا بداية عهد سعيد، لم يطل مع الأسف، إذا نفينا بعده بأشهر قليلة إلى أسبانيا
وأذكر من ذلك العهد أيضاً حادثاً يدل على مقدار حقد الطفل وعلى روح الانتقام الكامنة فيه، وذلك خلاف ما ينسب إليه من طهر وبراءة.
اشترى والدي وقتئذ سيارة (توربيدو) ذات أربعة مقاعد، وكنت أطمح إلى أن أقودها مثل أخي وهو يكبرني بسنوات قليلة؛ ولكن السائق رفض لصغر سني، فرفعت الآمر كعادتي إلى والدي فلم ينصفني على خلاف عادته، بل أعطى الحق للسائق إشفاقاً منه على حياتي. . فأقسمت أن أثار من السائق، وإليك كيف أتيحت لي الفرصة أن أحقق هذه الأمنية: