العصبة أو حملت أن تبتدع يوم قيامها نظام الانتداب خدعة غادرة تصفد بها عدداً من الأمم والشعوب التي وقعت في يد الحلفاء غداة النصر، والتي ما زالت ترزح تحت هذا الرياء الشفاف.
ولم نشهد عصبة الأمم تنتصر مرة لدولة شرقية أو أُمة مستضعفة مهما كان في جانبها الحق، ولا سيما إذا كانت هنالك مصلحة أو غاية لدولة من دول الاستعمار، سادة العصبة؛ ولم يغب عن الذاكرة بعد موقفها من النزاع بين إنكلترا وتركيا على مسألة كردستان، وموقفها من النزاع بين إنكلترا وإيران على مسألة جزائر البحرين، ثم موقفها من مسالة منشوريا وعجزها المطبق عن أن تعمل شيئاً لرد الاعتداء الياباني على الصين؛ بل لم يغب عن الذاكرة بعد موقفها من العراق يوم التحقت بها ويوم اشترطت عليها أفدح الشروط ثمناً لهذا الالتحاق
ولماذا نذهب بعيداً ونقلب صحف العصبة ونحن نشهد موقفها اليوم إزاء النزاع بين إيطاليا والحبشة؟ إن صفة الاعتداء الصارخ هنا تلحق إيطاليا بلا ريب، ومع ذلك فهل استطاعت العصبة أن ترفع صوتها ضد المعتدي؟ وهل استطاعت حتى اليوم أن تفعل شيئاً ولو من الوجهة النظرية لغوث المجني عليه؟ وهو لن تفعل شيئاً بلا ريب حتى يقع المحتوم وتنقض إيطاليا على الفريسة تحاول التهامها، ولن ينفع الفريسة يومئذ إلا ما يتاح لها من وسائلها الخاصة للدفاع عن نفسها.
وبعد، فمن هم السادة في العصبة؟ ومن هم الذين يشرفون على مجلسها ويوجهونه؟ هم أقطاب الاستعمار ومنظموه، وهم المغيرون على حريات الأمم، وهم المستمرئون لاستغلالها وإذلالها واستلاب حقوقها المدنية الأوربية؛ هذه المدنية التي أضحت تلتمس ذريعة للسفك وافتراس الشعوب الآمنة
لقد كان قيام عصبة جنيف مهزلة وخديعة شائنة؛ مهزلة لأنها زعمت في ميثاقها أنها قامت لتحقق ما لم تستطع أن تحققه الأمم والإنسانية جميعاً مدى الأحقاب، أعني منع الحرب وتحقيق العدالة الدولية، وحماية الضعيف من القوى بالوسائل السلمية؛ وخديعة شائنة لأنها تبطن وراء هذه المظاهر الخلابة دستور الاستعمار المنظم والانتهاك المثير لحقوق الأمم باسم الانتداب والمدنية والتهذيب وما إليها.