بنورها، والقمر والكواكب التي تلتمع كلما جن الليل، فقال بوجود العناصر الأربعة (التراب. والماء. والهواء. والنار.) ثم تدرج إلى القول بوجود عنصر وأحد هو الماء، ثم عدل عنه إلى الهواء لأنه أبسطها وأسرعها انتشاراً. ولعل هذه هو اساس الاعتقاد بالسديم الذي لا يخرج عن كونه غازا ملتهبا متحركا حول مركز جذبه. . . واليوم يؤمن الإنسان بوجود الاثير، ولم يصل بعد إلى تعرف طبيعته ويضطر لافتراض وجوده ليعلل حدوث الاهتزازات والتموجات التي تنشأ عنها القوى المحركة والمرتبة للجزيئات الترتيب الذي يجعلنا نرى المادة في أوضاع واشكال مختلفة.
واخيرا قام مذهب المعتقدين بوجود وحدات كهربائية (الكترونات) تتحرك بواسطة التجاذب الذري، وان الكهربائية نفسها مؤلفة من ذرات. وقد قاد الإنسان إلى بحث سر الطبيعة ما أودع في نفسه من كلف بكشف كل ما يغمض عليه فهمه أو تعليله. . وقد أداه هذا الشغف إلى التفكير في أمر نفسه لا من حيث الاحتفاظ بوجوده وسد حاجاته الضرورية، ولكن من ناحية فلسفية أدق ووجهة اكثر تعقيدا. .
يشعر الإنسان بوجوده بطريق يقيني، وهذا اصل معرفته، ولكنه لم يدرك كيف تقوم معرفته لما يحيط به، وكيف يفكر؟ وما هي القوة الباطنة التي تؤثر فيه وتوجهه إلى حيث تريد؟. . .
الى هنا طويت صحيفة الفلسفة الطبيعية التي أضاع وقته في خلق فروضها طاليس وانكسمندر وانكسمينس. . وبدأ طور جديد تدور أبحاثه على الإنسان نفسه، ويعتبر الواضع للاساس الجديد سقراط زعيم فلاسفة اليونان وتلميذه افلاطون. . ولكنهما لم يتعرضا لتحليل العقل الإنساني باعتباره القوة المدركة، ولم يذكرا لنا شيئا عن ماهية النفس الإنسانية وقصرا بحثهما على اعمال الإنسان ووجوب مطابقتها لما هو حق وعدل وخير. . صحيح أن افلاطون كان يقول بقدم المادة، ولكنه كان يعلل عملية الادراك بوجود صورة سابقة في النفس للكائنات الموجودة، فهو القائل بوجود عالم العقل وعالم الحس.
والحقيقة ان دراسة الفلسفة الإنسانية من الناحية التي عنى بها المعلمون الثلاثة (سقراط وافلاطون وأرسطو) تنطبق على مباحث علم الأخلاق اكثر من مباحث الفلسفة نفسها، ولهذا كان غرض أقطاب الفلسفة الحديثة إتمام النقص الذي ظل موجودا بعد الفلسفة اليونانية.