أن يسلم بها الجميع، ومن أجل هذا تبطل أدلة الأشعرية التي سبق أن أتى عليها في حدوث العالم، فليست من مقصد الشرع في شيء، وحسبنا لكي نحقق مقصده بمعرفة أن العالم مصنوع لله ومخلوق لم ينشأ من نفسه ولم يوجد بمحض الصدفة، حسبنا دليل العناية آنف الذكر، فإن موافقة أشياء العالم في تفاصيلها وجملتها لكائناته الحية كالإنسان والحيوان لا يمكن أن تكون اتفاقاً وصدفة بل بإرادة وقصد. هذا هو الدليل الحق الذي إلى جانب كونه بسيطاً وقطعاً يقيننا هو الذي نبه عليه القرآن (الأرض مهاداً، والجبال أوتاداً. . . الليل لباساً والنهار معاشاً. وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً. وجعلنا سرجاً وهاجاً) ببيان ما في المخلوقات من ملائمة ومنفعة. ومن هنا يبين فساد قول الأشعرية وبعدهم عن مقصد الشرع بإغفال عنصر الإنعام من الله على الإنسان (ص٨٥) وعنصر ربط المسببات والأسباب لحكمة وتدبير، فلا تخلو المسببات عندهم أن تكون بالصدفة والاضطرار لا بالأفضل والإجادة والإتقان، فإذا علمنا أن المصنوعات لا تكون شريفة تماماً حتى لا يكون في الإمكان صنع أبدع منها؛ فإننا لو أخذنا بغير ما يريد ابن رشد لم تكن المصنوعات غايات معينة، ونفي الغاية المحددة ينفي وجود النظام والترتيب وهذا ينفي بدوره المنظم والصانع الحكيم. أما سبب ضلال الأشعرية في نظر ابن رشد فهو (١) خوفهم أن يجعلوا أسباباً فاعلة غير الله حتى ولو كانت تفعل بإذنه (٢) أوأن ينساقوا إلى الإيمان بالقوى الطبيعية فلا يحسنوا الاستدلال على وجود الله. ومن هنا قالوا أن المخلوقات جائزة الوجود ليجعلوا خالقها مريداً. فأبطلوا الحكمة وافتروا على الله الكذب. ولما كان من العسير إقناع الجمهور بأن عقيدة الشرع في العالم أنه محدث وأنه خلق من غير شيء غير زمان فإن ابن رشد يرى أن نستعين بالتمثل والتصوير بالآيات التي تقرب المعنى إلى الأذهان (ص٩٠).