فالأشاعرة فالصوفية وعلى رأس الجميع أبو حامد الغزالي (اعرفوا جيداً نقد ابن رشد لهذا الإمام فإنه أكبر خصومه ص٧٢ - ٧٣) فمثل هؤلاء مثل من بدل الدواء النافع المفيد عموماً الذي وصفه الطبيب الأعظم بدواء تافه مستحدث يضر الأكثرين، ويؤدي إلى الخلط والتشويش والإخلال بالشريعة والحكمة كليهما (٧٣ - ٧٤).
والرؤية كذلك أنكرها المعتزلة لقيامها على الجهة القائمة بدورها على الجسمية ولكون المرئي لابد أن يكون في جهة الرائي؛ وأراد الأشعرية بين نفي الجسمية وإمكان الرؤية بالحس فجاءت أدلتهم متناقضة ومغالطية سواء منها ما عاندوا به المعتزلة وما أجازوا به رؤية ما ليس بجسم. ففي المقام الأول عاندوا قول المعتزلة إن كل مرئي فهو في جهة من الرائي بأن هذا حكم الشاهد لا الغائب - أي المحسوس لا المعقول، فهنا عند الأشعرية خلط ظاهرا بين الرؤية البصرية والإدراك العقلي، إذ الرؤية البصرية لا تتم إلا بالشيء الملون والحاسة المبصرة والأثير الشفاف. ودليل رؤية المرء ذاته في المرآة الذي قال به الغزالي باطل لأن الذي يرى هو الخيال في الجهة المقابلة. ثم إن المتكلمين (الأشعرية) يدللون على إمكان رؤية ما ليس بجسم (٧٦ - ٧٧) بدليلين: أولهما ما يذهبون إليه من إبطال رؤية الشيء من حيث هو (جسم أو لون) إلى آخره ورؤيته فقط من جهة ما هو موجود - وينقض ابن رشد هذا بقوله إن اللون يرى بذاته، والجسم يرى للونه - ولو كلن الشيء لا يرى إلا لوجوده لاختلطت الحواس وهو غير معقول.
وثانيهما دليل أبي المعالي في (إرشاده) الذي ميز فيه بين ذات الشيء وأحواله وجعل للحواس أن تدرك الذات فقط أي الشيء من حيث هو موجود - أما أحواله وصفاته المشتركة فلا سبيل إلى أن يدركها الحس. وهذا دليل يبطله ابن رشد أيضاً بمثل ما أبطل به سابقه من أن الحواس إذن تختلط وتصبح حاسة واحدة. . . وإنما كانت هذه الحيرة لافتراض هؤلاء جميعاً نفي الجسمية وهو بعيد عن مقصد الشرع الذي شبه الله بالنور وهو محسوس، والنتيجة إذن أن الرؤية معنى ظاهر، وأن شبهتها تزول بزوال شبهة نفي الجسمية.
والقسم الأخير من أدلة ابن رشد يتناول الأفعال الإلهية في خمس أمور وأولها خلق العالم وهو يردد هنا، كما في كل مكان، أن الأدلة لكي توافق الشرع يجب أن تكون بسيطة يمكن