حتى جاءني الطبيب ذات ليلة، وطفق يعالج عصابة عيني. . فإذا أنا أرى نجوماً تتلألأ عند الأفق. فإذا بي في عالم جديد، لم أحلم به، فأجدني مذهولاً، أحول عيني يمنة ويسرة فأرى كل فذ عجيب. . . ثمة خرائب أراها أمامي. فأسأل عنها فإذا هي جبال بعيدة، تتعالى إلى السماء في قلب الليل، كالعمالقة التي وصفتها لي أمي. . . وعلى مسافة خطوتين لمحت شيئاً كالشبح المقنع. . فسجدت، مبتهلاً إلى الله، وفجأة تغير المنظر، فرأيت فوق الجبال أشباحا تصعد إلى الأعلى، وفي وسط السماء نجوماً ترتجف خوفاً من الأشباح. . ولمحت خلفي مرآة مصقولة، تنبعث منها أنوار ساطعة، جعلتني أحس كان الله قادم إليَّ. .! فارتجفت وارتعدت. .
رأيت ثمة ضباب يتكاتف أمامي بلا أن الأشباح ما زالت كما هي، تصعد إلى عنان السماء. لكن الأنجم سرعان ما انطفأ بريقها، وخبأ ضوئها. . فاتخذت لها شكل الزهور! وفجأة اندلعت أضواء من لهيب. . تجوب أطراف السماء. . فإذا فوق الغابة ألمح الشمس التي حلمت بها. . . حمراء ملتهبة. .! فوضعت يدي على عيني، وسقطت على الأرض!. . . ولما أفقت كان النور يملأ الفضاء فرأيت لأول مرة العالم الذي عشنا فيه. . فالنجوم هبطت زهوراً على الأرض جمال أحلى من عبيرها. . والنور يتفجر على الدنيا من كل جهة وكل صوب! وفي الشجر ثمار حلوة؛ وحول التلال عبير الزهور والبرية. . . وفي الكرم تتدلى العناقيد كاللآلئ. وفي الجو تتطاير فراشات، وتتطاير جلور، وعصافير. . ومن آلاف الأفواه يتعالى غناء شجي، يبتهل بأسمى المعاني إلى الله!
وفجأة سمعت من خلفي صوتا كنت أعرفه، فالتفت، وإذا أنا أرى - لأول مرة أيضاً - وجه أمي، ووجه ميري رفيقتي فإذا في عينيهما دموع نجول.
أيها الظلام. ارجع ثانية، وخذني بين أحضانك مرة أخرى فإنني لم أعد أحتمل هذا النور. . . وهذه العواطف، وهذا الجمال.