وصواب الفكر، وحسن التقدير؛ ولكن ليس من الصواب أن يفنى شخص القصاص في شخص الباحث، حتى لا يضعف النهج القصصي في القصة كما يلاحظ في بعض قصص نعيمة؛ فهو يهتم بأن يقول لك كل شيء في نفسه، ويعنيه كثيراً أن يشرح كل شيء يعترضه؛ ومن ثم فهو يستطرد كثيراً ويخرج بك إلى كل ناحية تتصل بالحديث، ومن ثم كانت القصة عنده فكرة قويمة، وحكمة غالية، وبحثاً اجتماعيا كاملاً، ولكنها ليست على ما يجب من الاستواء الفني والاتساق القصصي، فأنت تقرأها وكأنك تقرأ مقالاً ممتعاً، أو بحثاً ضافياً؛ ولقد تعمد إلى بعض أجزائها بالحذف فما يضير ذلك، ولا هو يقطع صلة الحوادث في القصة؛ ولقد تجده يطيل كثيراً في التحليل النفسي للأشخاص إطالة قد تتحملها القصة الطويلة، ولكنها لا تليق بالقصة القصيرة. وإليك مثلاً: تلك القصة التي أسماها (ساعة الكوكو) والتي صدر بها الكتاب، فإن نعيمة قد حشاها بكثير من الحكم والمواعظ، ونقل فيها كلاماً طويلاً من كلام (بو معروف) وعرض فيها لشخصية (خطار) فحللها تحليلاً نفسانياً دقيقاً صور فيه كل شيء حتى الخواطر والأحاسيس، وساق كلاماً عن الشرق والغرب، والمادية والروحية، ولكنه ساق كل ذلك مساقاً إن اغتبط به فكر الباحث فلن يرتضيه تقدير القصاص، لأن القصة ليست خطاباً يلقى أو حكاية تروى، ولكنها حدود مرسومة، وأبعاد مقدرة، وحبكة قوية في البدء والنهاية، وخطة هي طبيعة الحياة ومظهر الواقع؛ وبالجملة فهي قطعة فنية مستوية لا استطراد فيها ولا زوغان. ولو أن نعيمة راعى ذلك في قصصه لكان من غير شك سباق الحلبة وحامل لواء القوم في القصة
أما أسلوب المؤلف فأسلوب سهل مرسل، يريده نعيمة على أن يكون أداة لإفهام القارئ فحسب. ولقد يهمل حق البيان واللغة في بعض الأحيان، فيقدم حيث يجب التأخير، ويحذف في مقام الذكر، ويرجع بالضمير إلى غير ما هو له، كأن يقول:(ولا يزال نحو المائة منهم ينتظرون الدخول وراء السور) يريد ولا يزال نحو المائة منهم وراء السور ينتظرون الدخول. وكأن يقول:(لكنهم يبكون كلاماً، وينوحون من قلوب ضاحكة وأجواف مفعمة) يريد أن بكاءهم لا حزن فيه وأنهم ينوحون وأجوافهم ممتلئة (بالسرور)، ولكن العبارة لا تفي بما يريد، لما في صدرها من الخطأ اللغوي، ولما في عجزها من القصور. وكأن يقول في بعض تشبيهاته: (فكأن دماغي قد تحول إلى مسحوق دقيق ذرته يد خفية في هاوية