وعلى قدر الذكاء الموروث. وهذا السلوك التعويضي قد تترتب عليه نتائج بعيدة المدى تدعونا إلى العجب والإعجاب معا. ومن سمات المصاب به أن يكون كثير التهكم على الناس، عابثا بهم، ساخرا منه. ومن شواهدي على ذلك ما نراه من برناردشو وأبي العلاء مثلا. على أن المصاب به قد لا يجحد العبقرية كائنة ما كانت في أي شخص، ولا يفكر بالعظمة حتى يخر لها ساجدا، وكأنه حين يصل القمة في إيمانه بالغير يكون قد وصل الذروة في إيمانه بنفسه. فلقد كان شو على تهكمه اللاذع بالناس، وسخريته المقذعة منهم، شديد الاحترام للنبوغ، فلقد أبدى تواضعا غير معهود فيه حين قابل غاندي وقال له أقدم لك نفسي أنل المهاتما الصغير. كذلك أبدى احتراما فائقا حين جمعته الظروف بأنشتين. وعلى هذا الحال كان أبو العلاء المعري على عبثه بالناس معجبا بالمتنبي إلى حد التقديس!
ومن الإمارات التي تهدينا أيضاً إلى التعرف على شخصية الرجل الذي تنطوي نفسه على هذا المركب تكلفه السلوك وتصنعه له تصنعا ظاهرا يدعو إلى العطف والإشفاق.
والمحلل لشخصية عميد أدبنا العربي يعرف عن كثب مقدار تغلغل هذا المركب في نفسيته، وإلى أي حد كان حافزا له على المثابرة والكفاح حتى تألق نجمه وأصبحت له هذه المكانة المرموقة. فالسخرية من الغير هي مسلاته. . . وعبادة العبقرية أو على الأصح عبادة نفسه بطريق غير مباشر، أطيب الأمور إلى نفسه، فما أظن إعجابه بأبي العلاء وإشادته بذكره وتعصبه له، إلا إعجابا بنفسه وإشادة بذكره. وأنا أذكر على سبيل المثال هذه المناقشة التي قامت بينه وبين أحد نواب الوفد في قاعة البرلمان والتي ختمها الدكتور طه بقوله (إن طه حسين هو اللغة العربية).
ومن ثم فلا غرو أن كان لسان حاله يردد (مهما يكن من شيء) و (ما استطعت إلى ذلك سبيلا) ثم لا يلبث بعد ذلك إلا ريثما يستعمل المفعول المطلق استعمالا ظاهرا كأنه يرمي إلى توكيد ما ردده من قبل. فكل هذه اللوازم تدل على أنه قد طرح عن نفسه كل يأس، وخلع عليها كل فضل فوطدها على العمل وعقد عزمه على الشد من أزرها مهما كانت الظروف والملابسات.
والآن ننتقل إلى كاتب آخر هو الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد. . ولكاتبنا لوازم عديدة يعنينا منها هنا كلمة لا مراء وكلمة (مليحة) يعني أن فلانة جميلة! فبهاتين اللازمتين يمكننا