أن نهتدي إلى (مفتاح) شخصية الكاتب الكبير فبديا الأستاذ العقاد رجل عاطفي إلى أبعد ما يتصور المرء، فإذا صادق تحمس في صداقته إلى حد أن يرفع صديقه إلى مصاف العظماء، وإذا سخط على أحد أو غضب منه أنزله أحط مرتبة وأسفل درك. فكلنا يذكر أيام خروجه على الوفد وأي حملة حملها عليه وأي تجريح وتقريع صبهما على رأس الوفد ورئيسه. هذا مثل حي من عداوته، أما صداقته فأنا أذكر على سبيل المثال رواية طريفة: كنت يوما بمجلسه وتجاذبنا أطراف الحديث في السياسة حتى انتهى بنا المطاف إلى الكلام عن شخصية المرحوم محمود فهمي النقراشي فما كان من الأستاذ إلا أن بادرنا بقوله (إن النقراشي في رأيي لا يقل إطلاقا عن المهاتما غاندي إن لم يزد) لقد قال الأستاذ قولا عظيما لا أظن أحدا يوافقه عليه؛ ولكن هذا هو إذا صادق فطوبى لصديقه، كما أنه لو عادى فويل لعدوه. ومن كانت هذه حاله فهو إنما ينظر إلى قيم الأشياء بوجهة نظر ذاتية لا بوجهة نظر موضوعية فهو يقومها بمقتضى هواه وبحسب ما يشتهي. ومن كان دأبه هذه النظرة فهو رجل شديد الإيمان بنفسه عظيم الاعتداد بشخصه! وعلى ذلك فلا عجب إن لازمت الأستاذ العقاد كلمة مثل (لا مراء) سداها الحسم ولحمتها القطع! بل العجب كل العجب ألا تلازمه مثل هذه (اللازمة).
وليس مما يشبن الرجل أو يقلل من قدره أن يقال عنه أنه معتد بنفسه، فإن هذا لعمري شيمة كل رجل عظيم لم يعرف قدره ولم يلق تكريما من أهل عصره، بل على العكس قد يلقي حسد وجحودا وبهتانا عظيما. فالأستاذ العقاد على الرغم من أنه أكثر كتابنا ثقافة وأوسعهم اطلاعا وأقواهم حجة وأرصنهم عقلا وأنظمهم فكرا ما زال أنصاره قلة وأعداؤه كثرة دون ما سبب سوى الهوى المغرض المستبد بنفوس الكثيرين من الناس.
ثانيا: يبدو الأستاذ في كثير من الأحايين متمسكا بالتقاليد الموروثة متعصبا لها، أو بالأحرى فيه حنين دائم إلى الماضي، فما زالت بعض تعاليم التربية التي تلقاها في فجر حياته تتحكم في كثير من تصرفاته وفي تحديد طرائق تفكيره، فهو مثلا لا يوافق على مساواة المرأة بالرجل على النحو الذي ينادي به كثير من أنصارها الآن، وله أدلة على ما ذهب إليه عديدة، بعضها فسيولوجي وبعضها سيكولوجي وبعضها الآخر سوسي ولوجي. . وسواء قويت هذه الأدلة أم وهنت، فإن هذا لا يعنينا في شيء؛ إنما الذي يعنينا هو اتجاه الرأي في