ذاته. وزد على هذا أن للأستاذ زيا تقليديا خاصا لا يكاد يتأثر بموجات (المودة) وتياراتها فهو لا يبغي عنه حولا ولا يريد به بديلا. ثم فضلا عن هذا كله فإن ما نراه تغلغل العاطفة الدينية في شخصه تغلغلا لم تزلزله كثرة قراءاته لأفكار الغربيين والتي لولاها لما أخرج لنا كتابه عن الفلسفة القرآنية وسلسلة العبقريات والديمقراطيات في الإسلام. . . أقول إن ما نراه من تغلغل العاطفة الدينية فيه إلى هذا الحد لينهض دليلا كافيا على أنه ما زال متأثرا بملابسات بيئته الأولى. وإذا كان ذلك كذلك وكان الأستاذ العقاد ما زال متأثرا بملابسات بيئته الأولى، فلا عجب أن تظل على لسانه بعض الكلمات التي تتميز بها اللهجة الصعيدية، ولا غرو أن يمتد هذا إلى لغة الكتابة. ومن ثم فإن كلمة فلانة (مليحة) التي رددها مرارا على الأخص في قصة سارة هي لازمة لها مغزاها، ولا يمكن أن تمر على القارئ دون أن تثير انتباهه وتدعوه إلى الالتفات.
بعد هذا يصادفنا المرحوم الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني فقد كانت له - رحمه الله - لازمة هي أصدق ما تكون وصفا له ولفلسفته، ألا وهي بسيط ومشتقاتها، فيقول (هذا أمر بسيط) و (أمور بسيطة)(والرد عليه غاية في البساطة) وعلى الرغم من أن هذه الكلمة لا تؤدي المعنى المراد لغويا وإنما هي ترجمة غير دقيقة لكلمة فقد لاقت هوى في نفس كاتبنا، وربما كان هذا لأن الأستاذ المازني كان رجلا بسيطا في نفسه بعيدا عن التعقيد الذي انطوت عليه نفوس أهل زماننا، وربما كان هذا أيضاً لأن الأستاذ المازني كان ينظر إلى الحياة ببساطة منقطعة النظير. أذكر له مقالا كتبه في أخبار اليوم جاء فيه ما معناه: إن الصحافة ليست هي باب رزقه الوحيد فإنه في مقدوره أن ينقطع عنها غير نادم ويعتزلها غير آسف فإنه يملك سيارة يستطيع في يوم وليلة أن تصير (تكسي) كما أنه يستطيع أن يفتتح حانوتا للمرطبات وهو ضمين بأنه سيكسب من الكوكا كولا وحدها قدر ما يقتضيه من صاحبة الجلالة الصحافة. إن فكرة هذا المقال تدلنا على أنه كان ينظر إلى الدنيا على أنها يسر في أحرج مواقفها، وأشد أزماتها. وكذلك كان رحمة الله بسيطا في حياته الفكرية، فأبغض شيء عنده هو قراءة الفلسفة كما صرح بهذا في كتابه قبض الريح، وقال ما معناه أنه لا يفهمها ولا يهضمها ولا يرى طائلا ما تحتها. ثم لقد كان أسلوبه نموذجا للسهل الممتنع، كنت أقرأ له فيهيأ لي لأول وهلة أني بصدد كلام دارج، ولكني لا ألبث إلا أن