للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فالشعب العربي وشعوب الشرق إجمالاً فقراء في وساءل المواصلات الفكرية السريعة؛ وفقراء في المكتبات العلمية الحديثة، وفقراء في التحليلات والتعليقات السياسية العميقة التي تعالج المشاكل الدولية من وجهة النظر العربية البحتة. فمعظم ألسنة الرأي العام في الشرق عالة في معلوماتها واستنتاجاتها على مجرى وتطورات السياسة الدولية - عالة على وكالات الأنباء العالمية (روتر والأسوشيتدبرس وغيرهما) وعلى بحوث الأخصائيين الأجانب، وعلى هذه المجلات العلمية القليلة الانتشار التي لاتصل منها إلى الشرق العربي إلا طائفة ضئيلة. ولذلك فإن تحليل قارئ الصحف السيارة في العالم العربي عن الشؤون السياسية الدولية متأثر حتماً بما يتغذى به من أنباء وتعليقات ترد إليه مباشرة عن طريق المعلقين السياسيين والصحفيين والكتاب الذين يعنون بتوجيه الرأي العام، والذين يتأثرون بدورهم لذلك الاجتهاد الأجنبي. وقل أن تجد في العالم العربي - وفي أكثر الدول الصغيرة الشرقية والغربية كذلك - مؤسسات أهلية تعيش على دخل ثابت تتوفر على تحليل الاتجاهات الدولية من وجهة النظر القومية البحتة (كما تفعل مثلاً مؤسسات كاربنجي وروكوفلر ومعهد العلاقات الخارجية في أمريكأن وشاثام هاوس في بريطانيا) غير متأثرة بالاعتبارات السياسية الداخلية أو الضغط الحكومي أو المصلحة الاقتصادية الخاصة بطبقة من طبقات المجتمع.

وبالإضافة إلى تلك المؤسسات الأهلية فإن الجامعات في أوروبا تتوفر في دوائرها المختلفة على القيام بمثل هذه التحليلات التي همها الدقة العلمية المجردة، والبحث الثقافي الخالص. وتنشر تلك الدراسات في بحوث، وانتشارها محدود، ولكن أثرها بعيد، إذ أنها توفر لصناع السياسة الرسميين ولغيرهم من المسؤولين عن توجيه الرأي العام وللمثقفين وغيرهم من المواطنين - توفر لكل هؤلاء ذخيرة علمية نافعة.

قلنا إن الشرق وغيره من الشعوب التي لم يكتمل بعد نموها على نحو النمو في العالم الغربي - هذا الشرق يستمد استنتاجاته عن مجرى العلاقات الدولية عن طريق غير مباشر - أجنبي في أصوله وهدفه، إذ لا يعالج القضية من وجهة النظر العربية وإنما يعالجها من وجهة النظر الدولية التي صدرت فيها الدراسة.

وهذا التأثير غير المباشر يخلق في انطباعات الناس في الشعوب الفقيرة تأثيراً لا يمكن أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>