يضحكون في صخب عظيم، ثم أخذ كل منهم يسابق الآخر في التعقيب عليها بما يسعه من نكتة أو قصة مشابهة، ومضى على ذلك وقت ليس بالقصير، وأنا واقف في ركن عند مدخل القاعة لا أدري من أقصد ولا أجد من يلتفت إلى كما لو كنت (صاحب ديوان) مثلهم لا حرج علي ولا غرابة في أن أكون معهم في حجرتهم
وكان قد مضى على بدء العمل أكثر من ساعة، ولكن أغلب المكاتب كان لا يزال خالياً من الأوراق، وبعضها كانت خالية حتى من أصحابها؛ ونظرت إلى الباب فإذا فريق من الصبية يدخلون وفي أيديهم أصناف (الصينيات)، فهذا يحمل (الفول)، وذلك يقبل (بالطعمية)، وثالث لا يحمل غير القهوة. . .
وأخذ أصحاب الديوان في تناول طعام فطورهم أو في شرب القهوة، اللهم خلا ثلاثة أو أربعة، راح أحدهم يقرأ في جريدة الصباح وراح الآخر ينظر إلى السقف كأنما يفكر في حل معضلة، ولعله كان ينتظر أن يفرغ صاحبه من جريدته ليتناولها بعده، وأخذ الثالث يفتح أدراج مكتبه ويغلقها ولا يخرج منها شيئاً، أما الرابع فقد تناول بعض (الدوسيهات) وصار ينظر فيها واحداً بعد الآخر ثم فتح أحدها أمامه وأخذ يصفر بشفتيه لحناً جميلاً
وكنت قد جلست على مقعد خال بجانبي، وليس ما يمنع وإن لم يكن في يدي عمل أن أكون أحدهم، ولعلهم ظنوا - إن كان فيهم من عنى بأن يظن - أني انتظر أحد الغائبين بناء على موعد سالف؛ وكان علي في الواقع أن أنتظر ولكني كنت أنتظر الحاضرين حتى يفرغوا من طعامهم وشرابهم أو من قراءة صحفهم لأستطيع أن أعرف فيهم من يوجد لديه حل مسألتي
وأزف موعد عملي، ودخل السعاة بأضابير من الأوراق وأخذوا يوزعونها على أصحابها، وحال ذلك دون أن أتقدم إلى أحد، فخرجت على أن أعود مرة أخرى إلى الديوان