ومادمت بصدد الحديث عن الرافعي في أهله، فإن واجباً علي أن أتحدث هنا عن شيء من (حب الرافعي) أراه يتصل بهذا الموضوع:
في فترة ما من حياة الرافعي - سأتحدث عنها بتفصيل أوفى فيما بعد - كان للرافعي هوى وغرام، ووقع له في هواه ما يقع للمحبين من ضرورات الحب، ودافع نفسه ما دافع فلم يجد له طاقة على المقاومة، واحتال على الخلاص فما أجدته الحيلة إلا هماً على هم، وكان حبه أقوى منه، ولكن دينه وأخلاقه كانت أقوى من حبه. وقال لنفسه: ما أنا وهذا الحدث الذي يعترض طريقي ويغلبني على إرادتي؟ إن في بيتي امرأة أحبها وتحبني - والحب عند الرافعي لا يأبى الشركة! - وإن لها عليّ حقاً ليس منه أن يكون مني لغيرها نظرة أو ابتسامة إلا أن تأذن لي! ماذا يكون من أمري وأمرها غداً أمام الله حين يطلب كل ذي حق حقه؟ أأقول لها: نعم قد ضيعت حقك وأعطيت من قلبي الذي لا أملك لمن لا تملك؟ ويلي! إنها الخيانة والإثم والعار!
وذهب إلى زوجه فحدثها وحدثته، ثم أفضى إليها بخبره وكشف لها عن نفسه، ثم قال: وأنت يازوجتي هل يخفى عليك مكانك مني؟ ولكن. . .
واستمعت إليه زوجته هادئة مطمئنة. . . ثم أذنت له. . . وكتب الرافعي رسالته الأولى إلى صاحبته التي غلبته على قلبه، وقرأت زوجته الرسالة وطوتها وأرسلت بها إلى صندوق البريد. . .
وجاء جواب صاحبته فقرأته زوجته كما قرأت رسالته، وصار هذا دأبهما من بعد. . . لا ترى زوجته لها حقاً عليه إلا أن تعرف، ولا يرى على نفسه في ذلك ملامة مادامت زوجته تعرف. . .!
وأنشأ هذا الحب طُرفتين في الأدب العربي ثم بهما نقص العربية في فلسفة الحب والجمال، هما كتابا (رسائل الأحزان) و (السحاب الأحمر) ولكن. . . ولكن أحداً لم يقرأ القصة الأخرى. . . قصة الحب والوفاء والتضحية، لأن الرافعي لم ينشرها فيما ألف من الكتب في فلسفة الجمال والحب. . .!