فالعالم زيد غير زيد العالم، وما اختلف منهما إلا تبديل موضع الكلمتين
لأن (العالم زيد) قد تقيد أنك تخص زيداً بالعلم وتنفيه عن غيره، وليس هذا مستفاداً من (زيد العالم) على هذا الوجه
وقد شرح علماء البلاغة دلالة التقديم والتأخير وعرض لها الإمام الجرجاني فقال مما قال في دلائل الإعجاز:(. . . إنه قد يكون من أغراض الناس في فعل ما أن يقع بإنسان بعينه ولا يبالون من أوقعه، كمثل ما يعلم من حالهم في حال الخارجي يخرج فيعيث ويفسد ويكثر به الأذى، إنهم يريدون قتله ولا يبالون من كان القتل منه ولا يعنيهم منه شئ، فإذا قتل وأراد مريد الأخبار بذلك فإنه يقدم ذكر الخارجي فيقول: قتل الخارجي زيدُ: ولا يقول قتل زيد الخارجي، لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له زيد جدوى وفائدة فيعنيهم ذكره ويهمهم ويتصل بمسرتهم، ويعلم من حالهم أن الذي هم متوقعون له ومتطلعون إليه. متى يكون وقوع القتل بالخارجي المفسد وإنهم قد كفوا شره وتخلصوا منه. . .) إلى أخر ما قال
على أن الحكمة في التقديم والتأخير معنى من معاني العقل والمنطق وليست بقاعدة من قواعد اللغة وحسب
ولهذا ينص عليها في جميع اللغات ولا يقتصر التنبيه إليها على لسان دون لسان
فالإنجليز مثلاً ينبهون إلى الفرق بين معاني العبارات إذا تغير موضع كلمة واحدة فيها، ويمثلون لذلك بأمثلة كثيرة منها هذه الأمثلة الأربعة
١ - أنا (فقط) أتحدث بهذه القصة إلى فلان
٢ - أنا أتحدث فقط بهذه القصة إلى فلان
٣ - أنا أتحدث بهذه القصة فقط إلى فلان
٤ - أنا أتحدث بهذه القصة إلى فلان فقط
فالفرق بعيد جداً بين كل عبارة من هذه العبارات وبين سائرها لتغير الموضع الذي توضع فيه كلمة واحدة
لأن العبارة الأولى معناها أنني وحدي أتحدث بهذه القصة إلى الشخص المذكور
والعبارة الثانية معناها أنني أتحدث فقط ولا يصدر مني شيء غير الحديث، وقد يتحدث به