والعبارة الثالثة معناها أنني أتحدث بالقصة فقط إلى فلان، ولا يتعدى التخصيص ذلك، فكل ما عدا هذا التخصيص فهو عام لا تقييد فيه
والعبارة الرابعة معناها أن المتحدث إليه هو فلان فقط وليس إنساناً غيره، ولا تخصيص للقصة ولا للمتحدث ولا للحديث
وتبديل الموضع الذي توضع فيه كلمة فقط ممكن جداً لكل من أراده، ولكن المهم هو المعنى الذي يترتب على هذا الإمكان. فإن كان المقصود أن نحافظ على معنى لا يتغير فالتبديل مستحيل أو كالمستحيل، وإن لم يكن هنالك معنى مقصود فبدل وقدم وأخر كما تشاء
ونأتي إلى الأبيات التي نطق بها النبي عليه السلام فننظر ماذا كان يترتب على التبديل في مواضع كلماتها؟
إن منها لأبياتاً يتغير منها شيء غير الوزن كالبيت الذي أنشده عليه السلام حين قال للعباس بن مرداس: أأنت القائل: أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟ فإن البيت موزون على قول الشاعر:
وأصبح نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع
ولا فرق بين الوضعين إلا كالفرق بين قولك إن طنطا واقعة بين القاهرة والإسكندرية، وقولك إنها واقعة بين الإسكندرية والقاهرة، أو كالفرق بين قولك إن زيداً يجلس بين بكر وخالد، وقولك إنه يجلس بين خالد وبكر
فهل الفرق بين قول الشاعر (ويأتيك بالأخبار من لم تزود) وقولنا (ويأتيك من لم تزود بالأخبار) هو فرق من هذا القبيل؟
إن كان الفرق من هذا القبيل فالتبديل ممكن، وإن لم يكن كذلك فهو مستحيل أو كالمستحيل
والمفهوم الذي لا يغيب عن سيد الفصحاء هو أن المعنيين مختلفان.
فالمفهوم من قول الشاعر أن الأخبار هي المقصودة، وأن الشاعر يورد قوله على سبيل الاستغراب أو التحدث بالغريب الذي لا ينتظر في الأغلب الأعم أن يكون: تسمع الخبر الذي تنتظره من مسافر لم تودعه ولم تحفل بسفره ولم ننتظره إيابه، وهذه هي الغرابة! وهذا موقع التنويه والاستشهاد