تكرار ما رايته من صوره في أوضاع مختلفة أن ثبتت صورته في مخيلتي، فإذا وضعت ذلك بجانب الكتب التي قرأتها عنه بمختلف اللغات صدق قول الأديب العربي:(والبحر وان لم اره، فقد سمعت خبره) فهو أمامي كلما تلوت في كتبه، برأسه الكبير وعينيه الصغيرتين الحادتين وفمه الجبار وبروز عظمتي الوجنتين وهذا الاسم الذي يحمله، أجدها دائما مشاهد تؤكد لي اصله الأسيوي المغولي المنحدر من سلالة الفاتحين التتار الذين سادوا أنحاء روسيا مدة قرون طويلة، وصبغوها بلونهم وتركوا فيها آثارهم ودماءهم. وليس في هذا ما ينقص من قدر الزعيم الروسي والمعلم الشيوعي، إن لم يكن في ذلك ما يزيد من قدره وما يرفع من شانه كبطل أسيوي عالمي.
قلت خلوة صباح ذلك اليوم لنفسي وأطلقت لها العنان تحلق كما تشاء، فأخذت انتقل بالمطالعة من كتاب إلى كتاب غير مقيد بنظام أو قاعدة، والوقت يمر سريعا حتى وقع ناظري على جملة تقول:(هذا عصر تنظيم الجماعات وقيادة وتوجيه الحركات الشعبية الكبرى، عصر عمل ونشاط وخلق وتصميم اكبر مظاهر سيطرة الإنسان بيديه القويتين على قوانين الطبيعة وإخضاعها لمشيئته وإرادته. تعالوا إلى الفلسفة المادية وارجعوا إلى المنهج التاريخي لكي تتفتح أذهانكم لآفاق بعيدة. إننا لا نؤمن بالعاطفة إلا إذا احتجنا إليها لمحاربة الجمود والرجعية ولتحطيم الأصنام المزيفة.)
أيمان تظهره جرأة، وجرأة يدعمها علم:
وبينما أنا أقرأ هذا الكلام، إذ قرع حاجب المفوضية الباب ودعاني لاستقبال الضيوف مع أستاذنا الكبير، فقمنا للترحيب بهم. وبعد برهة اجتمعوا ودخلنا حجرة المائدة، وقد رتبت احسن ترتيب يدل على ذوق الداعي واهتمامه بالصغيرة والكبيرة من تنسيق واختيار وتدقيق في كل ما يقدمه لضيوفه. وما بدأت الخدمة حتى اخذ الحديث حمد الله صبحي ضيف الشرف، وهو محدث من الطبقة الأولى يتناوله بأسلوب عذب وصوت هادئ ويعبر عن آرائه بالفرنسية وبالتركية، فتكلم عن أمور مختلفة، وأشياء متعددة، ولفت الأنظار حينما أخذ يتحدث عن حياة المسلمين في رومانيا، فأحاط بما هم عليه في وقته وما كانوا عليه في الماضي وما تنبأ لهم به في المستقبل، وأشار إلى اللغة المستعملة في رومانيا وكيف تأثرت بالألفاظ التركية التي امتزجت بها، وكثير من هذه الكلمات عربي الاصل،