والجنس أن تكون موضع بحث أو نقاش؛ وإيطاليا الفاشية لا تطبق النظر الحرفي في طبيعة الحكومة ووظائفها، أو في مكانة الأفراد بالنسبة للحكومة. وحسبها من شر أن أسكتت مثل هذا الفيلسوف العظيم (بنيد توكروس). ولشد ما تثيرني آراؤه عن الحكومة والحياة السياسية. ففي كتيبه (أورنيناتتي) قال: (إن حبنا للدولة هو أن نعمل مع الدولة، وأن تخص الدولة ونغمر حياتها السياسية بكامل ما يتوفر لنا من أسمى معانينا وأنبل مشاعر وأصدق ما يجرى في معتقداتنا من الحقائق، أي تلك الحقائق التي تصدر عن ولاء مكين وإيمان متين، وعما يتهيأ لنا أن نأمله من مثلنا العليا. واشتراكنا مع الدولة على ضوء هذه الاعتبارات هو ما نسميه بالحرية بتعبير آخر. وهذه الحرية ليست بمقاومة الدولة أو بالإساءة إلى هيبتها وعظمتها، ولكنها هي حياة الدولة بذاتها وإلا وسعنا أن نزعم أن الدم الذي يجري مجدداً نفسه بدورة مستعمرة في أوردتنا هي حركة متمردة على ما لنا من سلطان في ضبط حركة الوظائف العضوية من أجسامنا، لهذا لا تكون الحرية ملحوظة في الدولة ما لم تكن حرية سياسية مطبوعة على العمل مع مقتضيات حياة الدولة
والحق أن هذا الفيلسوف الإيطالي قد أثم في حق الثقافة الفاشية إذ أهمل النظر للدولة - كدولة مطلقة - ثم أسرف في الإساءة إلى النظام الفاشي، فلم يشأ أن يعتبر الدولة إلا عنصراً تنفيذياً للهيئة الاجتماعية وإلا مجموعاً كلياً للوظائف العامة التي تفوضها الأمة للهيئة التنفيذية لحماية الصالح العام وتدعيمه.
ولا يبعد هذا المذهب عما ذهب إليه (جون استيوارت مل) وقتما وفق لأن يلمس بعض الظواهر الإيجابية لحرية الأمة في رسالته الشهيرة عن الحرية فلقد أشار (مل) إلى أنه إذا عمل أي إنسان عملاً من شأنه أن يضر الآخرين كان من مقتضى العدالة أن يستوفي العقوبة التي فرضها القانون، أو أن يلقي جزاءه من الاستنكار والتحقير العام إذا كان ما فعله لا يقع تحت طائلة نصوص القانون، ثم استطرد قائلاً:
وقد تقضي العدالة إلى ذلك بإجباره على القيام بأعمال إيجابية كثيرة شرعت لصالح الآخرين، مثلما يلقي على عاتقه من عبء إثبات ما يدعيه في ساحة القضاء، أو ما يتحمله من نصيبه العادل في الدفاع العام أو ما يضطلع به من الأعمال الاشتراكية الأخرى اللازمة لصالح الجماعة التي ينعم بحمايتها. ومثلما يفرض عليه من أعمال خاصة شرعت لصالح