الفرد كأن يتقدم لإنقاذ حياة إنسان أو يتدخل بين الضعيف الذي لا سند له والقوي الذي لا حجة معه لينتصف للمظلوم من الظالم. وهي أمور إذا ما اتضح أن من واجب الرجل أن يؤديها كان من مقتضى العدالة أن تناقشه الهيئة لاجتماعية الحساب عن عدم وفائه بها. فالإنسان قد يلحق الضرر بغيره بسبب ما يقدم عليه من عمل، أو نتيجة لامتناعه عما يجب عليه من عمل وفي كلا النهجين يجب حقاً وعدلاً أن يكون ملزماً بتعويض الضرر.
وهذا النظر الصائب أنسب لحرية الصحافة وأشد انطباقاً عليها من غيرها. وكم تخفق الصحافة في تأدية رسالتها للأمم الحرة، وفي القيام بواجبها على وجهه الصحيح، إذا هي مرت بالطغيان والظلم مرور الكرام، أو ذلت واستكانت فأغمضت عينيها عما يواجهها من سوء استعمال الحق ومن المتصرفات الضارة بالصالح العام. إذ واجب الصحافة أن تترصد الأخبار لتذيعها على الناس، وأن تتعقب الخفاء حتى يبرح، والخبئ حتى يظهر، وأن تواجه الشبه حتى تنجلي، وأن تفصح عن ذلك كله في عبارة حاسمة صريحة، فإذا بالصبح وقد تبين لدى عينين، وإذا هي لا تدين بولاء ولا تنفيذ بواجب إلا للشعب وللشعب وحده لا لأية سلطة تتولى الحكم في البلاد؛ وإذ الطريق الوحيد لكبح جماح الهيئة الحاكمة والحيلولة بينها وسوء استعمال الحق هو أن تذيع على الشعب كيف يتصرف رجال الحكومة بسلطانهم!
ووقتما أصر (مل) ذلك الفيلسوف الحر، على أن يسأل الرجال، وكذلكم الصحافة من باب أولى، لا عما يجترمونه من جرم فحسب، بل عما يترتب على امتناعهم عما يجب عليهم عمله، لم يكن نظره هذا ببعيد عن تلك العبارة الذائعة الواردة في تعاليم الكنسية الإنجليزية، وهي:(لقد عملنا ما كان يجب علينا ألا نعلمه، وأغفلنا عمل ما كامن يجب علينا أن نعمله، وافتقدنا رجاحة العقل وسداد الرأي)؛ وبعبارة أرى قد تكون جرائم الترك هوان للحرية كجرائم العمد
وإذا كان الانتفاع بالحرية والدفاع عنها بحاجة حقاً إلى مجتمع متمدن نشط يصدر في أفعاله عن إرادة حرة وعزيمة صادقة، فليس بأقل من ذلك وزناً ما نحن بحاجة إليه من إعادة النظر في آرائنا وتنقيح مناهجنا فيما ينظم حريتنا على ضوء ما نتبينه من مجريات الأمور وما ينتهي إلينا أو ننتهي إليه من تطور الأحوال وتغير الظروف. ومنذ قرن مضى كانوا يعتبرون ضريبة الدخل التي تستنفذ اليوم على ربع إيراد المواطن الحر، وتلك الواجبات