للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولنستعرض الآن آراء إقبال، الفيلسوف الشاعر الذي احتفل منذ قريب بالذكرى الثالثة عشرةلوفاته، في المسائل التي قدمناها آنفاً. لا يفوت إقبالاً أبداً أن يحذر من الاستخفاف بالقوة أو إهمال أية وسيلة من وسائل الحصول عليها، فهو لا يتأثر مطلقاً مما يوجه بعض الناس إلى الإسلام من نقد على روح الجهاد فيه: بل يقول:

(إن الذي يرتجف العالم من بطشه وسفكه هو أولى بأن يلقن مبدأ ترك الجهاد. . . لقد تدججت أوربا بالسلاح للدفاع عن أبهة الباطل. . . إذا كانت الحرب شراً في الشرق فهي لا بد وأن تكون شراً في الغرب أيضاً. . . أما محاسبة الإسلام والصفح عن أوربا فذلك ليس من الحق في شيء).

وكذلك يسخر إقبال من خطة تعبير القوة بالقوة حينما يقص علينا قصة قطيع من الغنم وقع فيه الأسد، فتقدمت شاة كانت قد أوتيت دهاء لتتزعم القطيع، فامتنعت في نفسها بأنه من المستحيل أن تتحول الأغنام أسوداً إلا أنه يكن أن ينحط الأسد إلى درجة الأغنام، وذلك بحمله على الاستحياء من نفسه وقوته، فبدأت تلك الشاة تلقن الأسد مبدأ الاعتزاز بقوة الروح وتركاللحوم واكل العشب والإيمان بأن الجنة قد خصصت للضعفاء، وأن القوة في الحقيقة نقصان. وهكذا إلى ان وجد الأسد في هذه المواعظ انعكاساً لميله هو إلى الراحة والدعة، فانحط إلى درجة الأغنام وهو يحسب أن ذلك الانحطاط إن هو إلا مدنية وحضارة!

فهذه الخطة في رأي إقبال ليست إلا رياءودهاء - الدهاء الذي (يزداد وينمو بطبيعة احال في العبودية) والاضطهاد) - ولا يستعمل هذه الخطة إلا الضعيف الذي يئس من كسب القوة، وهو إنما يغرر ويضلل بها قوياً قد مال إلى الاستكانة.

ولكن دعوة إقبال لا تقتصر على (إعداد القوة) - ولا أقوال (تمجيد القوة) كما فعل بعض الفلاسفة الألمان - بل، وهذه هي النقطة المهمة، وهو يدعو أيضاً إلى البحث عن القيم الأخلاقية والمثل العليا في الحياة الإنسانية والإيمان بها والعمل لها، حتى لا يكون استعمال القوة إلا الحفظ ونشر تلك القيم والمثل التي تكفل الخير للعالم! أما إذا وجدت القوة منفصلة عن القيم الأخلاقية والمثل العليا فلا شك أنها تعود شراً لا شر بعده كما يتمثل ذلك الشر في إعمال الإسكندر وجنكيز. إذن فالقوة في حد ذاتها ليست شراً ولا خيراً، بل إنما يحكم عليها

<<  <  ج:
ص:  >  >>