كتابه (أبناء وعشاق كيف أن أماً ذاقت أهوال الجحيم كي تتعهد وليدها المريض بالرعاية والعناية، وتنقذه من التهلكة والموت.
وليس ثمة شك في أن لورنس كان يصور جزءا من نفسه وبعضا من أمسه حين يعرض لهذا الحدث وما على شاكلته من الأحداث التي اكتنفته في طفولته. وقد شعر لورنس بحب ألام المفرط يجيش في كيانه ويجري في عروقه فيأسره ويتملكه. وقد يكون حب ألام خير في عالم يمكث فيه الأطفال أطفالا غير أنه شر مستطير في عالم يشبون فيه عن الطوق ويدخلون في طور الرجولة. فكما أن المرء يفسد طفله كلما بالغ في إعزازه وتدليله كذلك أفسدت تلك ألام وليدها بما أغدقت عليه من حب جامح فياض. فقد أنقلب حب لورنس لأمه وجدا وهيما، ويتجلى ذلك بوضوح في مرثيته التي يشيد فيها بذكرها والتي مطلعها:
معشوقتي الصغيرة! محبوبتي!
أقبلت قبلة الوداع، يا أحب مخلوق إلي.
فهنا استحالت عاطفة البنوة إلى صبابة ووله، ولم يعد لورنس ينظر إلى أمه كشيء أثير عنده عزيز عليه فحسب، بل كمحبوبة خليقة بالتشبيب والتقديس. ويقول مدلتون مرري في كتابه (أبن الذي ترجم فيه للورنس (أنه لم يكن في مقدوره أن يسبغ حبه على امرأة أخرى مادامت أمه على قيد الحياة. ولقد كان لهذه التنشئة أثر ضار، إذ أشرب كاتبنا عقيدة جديدة شاذة ناضل عنها بكل قواه، وضحى في سبيلها بما كان يرتجي له في ميدان الأدب من رفعه وسمه وجاء، فما وهنت له عزيمة، وما فترت له همة وما خف له حماس حتى دهمه الموت وفارق الحياة.
ذلك أن لورنس ذهب إلى قول بأنه ما من سبيل إلى فهم الحياة على حقيقتها ما لم نتصل بالمرأة اتصالا جنسيا، فنقرب الشقة بيننا وبين الجنس الأخر ونفهم نياته وخفاياه، ونطلع على أحاجيه وأسراره ونبرزها للعيان. وما كانت الحياة عند لورنس إلا رجل وامرأة، رجلا سبرنا أغوره واستقصينا أعماقه وإدراكنا ماهيته، وامرأة تحيطها بغلالة من الإبهام والغموض والالتواء والتعقيد،
ولا أمل لنا في فهم الحياة ما لم تبد لنا المرأة كما هي مجردة عارية من جميع الدوافع والنوازع والمغريات والمؤثرات. وإذا كانت الحياة كذلك فلا غنى للرجل عن المرأة، ولا