وفي مدينة (نفيوس) دار القتال بين جند عمرو وجند مانويل في البر وفي النهر، وكثر الترامي بالنشاب حتى وقع فرس عمرو من تحته. ثم طلب المسلمون المبارزة بين فارس منهم وفارس من الرومان فكانت الغلبة لفارس المسلمين فثارت حميتهم وشدوا على العدو وانتصروا عليه وقتلوا قائده، ثم تعقبوه إلى الإسكندرية وأعملوا السيف في رقابهم. وهنا أمر عمرو بإيقاف رحى الحرب، وأن يبني في الموضع الذي رفع فيه السيف مسجد أطلق عليه فيما بعد (مسجد الرحمة) وهدم عمرو سور الإسكندرية، وبهذا ثبتت أقدام العرب في مصر سنة ٢٥هـ
أقام والي مصر الجديد في الفسطاط يراقب الأمور عن كثب وينتظر ما تلده تلك الحرب الناشبة بين العرب والروم في مصر. ولا شك أن انتصار عمرو ثبت قدم ابن أبي سرح في ولايته. فحذا حذو سلفه في الإصلاح الداخلي وفي الفتوحالخارجية، أما الإصلاح الداخلي فلم يترك له عمرو شيئاً جديداً اللهم إلا ما كان في زيادة الخراج في ولايته حتى بلغ أربعة عشر مليوناً (إن صح أن يسمى هذا إصلاحاً)
أما من ناحية الفتوح الخارجية فإن ابن العاص كان قد أمّن حدود مصر من جهة الغرب بفتح برقة عام ٢١هـ صلحاً، وبفتح طرابلس سنة ٢٤هـ عنوة. ثم بعث نافع بن القيس الفهري (وكان أخا العاص بن وائل لأمه) إلى بلاد النوبة فقاتله أهلها قتالاً شديداً فانصرفوا، فلما ولي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح غزا أفريقية سنة ٢٧هـ وقتل ملكها وغنم المسلمون الغنائم الوفيرة حتى قيل أن سهم الفارس بلغ ثلاثة آلاف دينار والراجل ألف دينار
ثم وجه ابن أبي سرح همه إلى الجنوب فغزا بلاد النوبة من جديد، وبلغ دنقلة في سنة ٣١هـ وقاتل أهلها قتالا شديدا، ومع ذلك فإن النصر لم يتم لابن أبي سرح، فلجأ إلى مهادنة النوبيين وعقد معهم صلحاً رواه من المؤرخين البلاذري والكندي والمقريزي وترجمه لين بول في (تاريخ مصر في العصور الوسطى)(ص ٢٠ - ٢١) وهو أشبه بمعاهدة اقتصادية بين مصر والنوبة: هذه تمدهم بشيء من الحبوب والعدس، وتلك ترسل إليهم الرقيق
كذلك تولى ابن أبي سرح قيادة معركة بحرية نشبت سنة ٣١هـ بين العرب والبيزنطيين