سلوك، وروح العقائد الدينية والحكمة النفسية والفكرية، وما يصاحب ذلك من فقه شريعة ودين).
أما العلوم الطبيعية التجريبية - يعني العلوم الحديثة - والمعارف الرياضية، فإنها خارجه عن التراث الشرقي والتراث الغربي معاً، لأن (الحقيقة الطبيعية ثابتة في جميع الجهات)، يكتشفها (الإنسان باعتباره إنساناً مدركا حيث كان) و (ما كشف منها في الغرب تتمة لما سبقها منذ بداية عهد الإنسان بالمعرفة، فهي جزء من التراث الإنساني)؛ ولأن المعارف الرياضية (لا تتوقف على المشاهدات والمحسوسات بمقدار ما تتوقف على قوانين العقل المجرد، المعزول عن خصائص الأوطان والأزمان).
لكن تحقيق النظر في التراث الشرقي محصوراً في هذه الحدود يظهر أن لبابه من ثمر أحوال النفس الواحدة في البشر، ومن أحكام العقل البشري ونتائج تجارب الإنسان أينما كان، ومن مقتضيات حاجاته في الحياة الإنسانية: فالحب - مثلاً - في الشرق هو الحب في الغرب، وكذلك البغض أو الشجاعة أو الجبن، أو الفرح أو الحزن وسائر الوجدانيات، وكل أولئك معزول في ماهيته عن خصائص الأوطان والأزمان؛ والإنسان (باعتباره إنساناً مدركا حيث كان)، قد عرف حاجته إلى الحث على الخير والنهي عن الشر، والى إقامة النظام يتقي به آفات الفوضى؛ وهذه المعرفة ونتائجها من التراث الإنساني. ومن الحكم والمواعظ العربية ما له نظائر في تعاليم (كونفوشيوس) مثلاً، أو في أخلاقيات (فوفنارج)؛ وفي الشرائع الرومانية ما يقارب بعض الشرع الإسلامي؛ وفي الأدب اليوناني ما يماثل بعض الشعر العربي، وفي الأدب العربي ما يشبه أمثالاً وحكايات هندية أو فارسية أو غيرها؛ وذلك كله بأن الإنسانية دارجة في تطور عام واحد مطرد، على نحو ما بينه (ريكلو) و (ويلز) وإن لم تخل قبائلها وشعوبها من أنواع التفاوت في المدنية
فمهما كان على هذا التراث من مسحة وطنية ومن أثواب اللغة العربية، فهو في جوهره حلقة من سلسلة الأثمار العقلية والنفسية، وهي سلسلة لا يقف تمددها (منذ بداية عهد الإنسان بالمعرفة).
وتلك أمور إنسانية في صميمها مهما كانت من قبيل ما يمتزج بحياة الشرقيين، و (مصطبغ بصبغة الشرق ويجري على سنته)