الذي لا يؤدي عملاً إلا بالرشوة، ومحب الملق الذي لا يقدم صنيعاً إلا إذ تملقه الناس وخدعوه. . ويعرف الذي ينتوي خدمته من الذي يعطيه وعداً لا يزمع إنجازه. . كل شيء سيحيط به وفي نظرة واحدة فلا يعود ثمة ما يخفى عليه من أفكار الناس ولا من أخلاقهم. . فيراهم كما يرون أنفسهم. . وكأنه كامن فيهم!
طافت بذهنه هذه الخواطر فانتشى لها وطرب. . ونازعته نفسه إلى أن يكاشف صديقه نهرو برغبته في أن يتعلم منه علم قراءة الأفكار. . وتردد طويلاً قبل أن يتهادى إلى أذنيه صوت صديقه نهرو يقول:
- لقد قرأت يا صديقي ما يدور بذهنك. . وليس أحب إلى نفسي من تحقيق أمنيتك!
وشاعت الفرحة في قلبه وهو ينصت إلى قول صديقه الطيب وقال والدنيا لا تكاد تسعه من فرط سروره وسعادته.
- إني عاجز عن شكرك يا صديقي نهرو. . ولست أدري بماذا أكافئك على هذا الصنيع الذي لن أنساه لك مدى حياتي!
شرع نهور يدرس لصديقه أحمد علم قراءة الأفكار وبذل في سبيل ذلك من الجهد والوقت ما جعل لسانه يلهج بشكره والثناء عليه. . ولم يدخر أحمد من ناحيته وسعاً في استيعاب دروس أستاذه واستذكارها والرجوع إلى (المراجع) التي وضعها تحت يده، فقد كانت تشتعل في نفسه الرغبة في إجادة هذا العلم الذي أحبه وعشقه والذي سيعود عليه بالنفع والخير ويسلكه في عداد السعداء المجدودين!
وكان لا يني عن القراءة في الليل وفي النهار. . في المنزل وفي الطريق وفي القهوة التي كان يختلف عليها هو وصديقه نهرو. . وكانت تستغرقه السعادة وهو يطالع هذا العلم الحبيب، وراح يرقب في صبر أرعن ذلك اليوم الذي يفرغ فيه من دراسته ويخرج إلى الناس إنساناً جديداً موهوباً بعلم ما لا يعلمون!
ولم يسفر لأحد عن سره. . حتى أفراد أسرته لم يكن بينهم فرد واحد يدري سر وحدته المطرقة وانكبابه على تلك الكتب التي كان يحرص على ألا تمتد إليها يد أو تقع عليها عين! إنه كان زوجاً مخلصاً وأباً باراً لابن وابنة، وكانوا سعداء به كما كان سعيداً بهم. . ولكنهم في هذه الشهور الأخيرة وقد لمسوا منه انصرافاً عنهم وعزوفاً عن ملا بستهم.