وابيضّتْ ذؤابة الليل وما تزال أحلامُ اليقظة تُراوح بيم جنبيها في الفراش!
ومضت ليال، وأَنِستْ رشيدةُ إلى فتاها وأَنِس بها؛ وتتابع اللقاء بينهما في الحلم حيناً وفي اليقظة؛ وتكاشفَا نفساً لنفس فاطمأنَّت وزال ما كان يساورها مِن هم، واسترسلت في أحلام السعادة والمجد، وهي تحصي ما بقي من أيامها حتى يكون لها.
وجاء اليوم الموعود وزُفَّتْ رشيدةُ إلى سامي. . .
(يا هَنَاها!)
ذاك حديث كل صواحبها؛ أفتراها كانت تسمع ما يتحدَّثن؟
أما هو فكان من شأنه في شغل عما يتحدث الناس؛ لقد وجد الاستقرار والراحة منذ وجد رشيدة؛ فانصرف إلى غايته دائباً لا يشغله من شئون الحياة إلا فنُّه والأمل الذي يتتوّره على مبعدة.
وأما هي. . . أين هي من أحلامها التي كانت تداعبها في اليقظة وُتِلمُّ بها في المنام؟
هذا عام مضى منذ دخل سامي في حياتها وشاركته في داره؛ فماذا تحقق من أمانيها وماذا بقي؟ وماذا يجدي عليها صيتُه ومجدُه وشهرته وإنها لحبيسة الدار لا تتحدث إلى أحد ولا يتحدث إليها أحد؛ وزوجها الذي خلق لها دنيا عريضة من الأوهام والأماني حبيسٌ في غرفته مكبٌّ على أوراقه ودفاتره!
هذه الصحف التي تتحدث عنه، وهذه الكتب التي تصدر باسمه، وهذه الجماعات التي تدعو دعوته وتُشيد به. . . كل هذه أوهام وخداع وتلبيس على الحقيقة. لقد حسبتْ يوماً أنها ستكون أسعدَ زوجةٍ فيمن تعرف من صواحبها؛ لأن هذه أوهام المكتوبة كانت تُخيَّل لها وتخدعها عن الحقيقة؛ أما اليوم، وا أسفا!
إنه ليحبها وإنها. . . نعم، لقد كانت تحبه؛ ما في ذلك شك؛ أما اليوم. . . آه! ليتها تستطيع أن تقول. . . ليتها تستطيع أن تعرف. . .!
إنها لتحس في بعض الأحايين أنها تكرهه، شوقاً إليه!. . . ليت شعري، ما الحب؟ وما البغض؟. . . أهُما معنيان متناقضان أم هما اسمان لمعنى؟
وما الحقيقة؟ أهي شيء واحدٌ أم شيئان، ولونٌ واحدٌ أم ألوان؟