ونظن البيت الأخير مقحماً إقحاماً في هذه القصيدة، لأنه بيت من قصيدة مشهورة لعلي بن عبد العزيز القاضي من أهل القرن الخامس التي يقول في مطلعها:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما
قال ياقوت بعد إيراد هذه القصيدة: ولا يظن الناظر في هذه الأبيات أن قائلها فقير وقير، فأن الأمر بعكس ذلك لأنه، والله يحوطه، رب ضياع واسعة، وأملاك جمة، ونعمة كثيرة، وعبيد وإماء وخيل، ودواب، وملابس فاخرة وثياب. ومن ذلك أنه بعد موت أبيه اشترى داراً كانت لأجداده قديماً بثلاثين ألف درهم؛ ولكن نفسه واسعة، وهمته عالية، والرغبات في الدنيا بالنسبة إلى الراغبين، والشهوة لها على قدر الطالبين. قال ياقوت: وكان إذا سافر يركب في محفة تشيله بين بغلين، ويجلس فيها ويكتب، ورحل إلى العراق ومصر والحجاز.
ويقول ياقوت أيضاً إن كمال الدين صنف مع هذه السن كتباً منها كتاب (الدراري في ذكر الدراري)، جمعه للملك الظاهر غازي، وقدمه إليه يوم ولد ولده العزيز الذي هو اليوم سلطان حلب. وكتاب (ضوء الصباح في الحث على السماح)، وصنفه للملك الأشرف، وكان قد سير من حَرَّان بطلبه، فإنه لما وقف على خطه اشتهى أن يراه فقدم عليه فأحسن إليه وأكرمه، وخلع عليه وشرفه. وكتاب (الأخبار المستفادة في ذكر بني أبي جرادة) وأنا سألته جمعه فجمعه لي وكتبه في نحو أسبوع وهو عشرة كراريس. وكتاب في الخط وعلومه، ووصف آدابه وأقلامه وطروسه، وما جاء فيه من الحديث والحكم، وهو إلى وقتي هذا لم يتم. كتاب (تاريخ حلب) في أخبار ملوكها وابتداء عمارتها ومن كان بها من العلماء، ومن دخلها من أهل الحديث والرواية والدراية والملوك والأمراء والكتاب، وشاع ذكره في البلاد، وعرف خطه بين الحاضر والباد، فتهاداه الملوك. ومن كتبه تبريد حرارة الأكباد، في الصبر على فقد الأولاد. وكتاب (دفع التجري عن أبي العلاء المعري) وكتاب (التذكرة) وهو في أجزاء في دار الكتب المصرية أولها الجزء الخامس وآخرها الجزء السادس عشر، وفي هذه الأجزاء قصائد جميلة لأناس من معاصريه ورسائل منثورة وغيرها (راجع ما كتبناه في هذه التذكرة في المجلد السابع من مجلة المقتبس ص٨١١). ومما نقله أبيات للسابق أبي اليمن محمد بن الخضر المعري وهي: