حلب معهد الصبا والتصابي ... فسقاها الوسمىُّ ثم الوليّ
موطني بعد موطني فكأني ... لغرامي بحبها البحتري
إلى أن قال:
فلديها كل الفنون وفيها ... ما اشتهاه الشرعيُّ والفلسفيُّ
غير أني أرى الأطايب شزراً ... وحليف الإفلاس عنها قصيّ
وكان في حلب في ذاك الزمن جلة من العلماء كما قال الشاعر، بل أن من قراها ما كان أشبه بدار علم مثل معرة النعمان وكفر طاب، وكفر طاب اليوم مزرعة خربة.
ومما اقتبسه في هذه التذكرة أبيات لسنان صاحب الدعوة
لو كنت تعلم ما علم الورى ... طراً لكنت صديق كل العالم
لكن جهلت فصرت تحسب أن من ... يهوى خلاف هواك ليس بعالم
فاستحْي إن الحق أصبح ظاهراً ... عما تقول وأنت شبه النائم
وسنان هذا هو أبو الحسن سنان بن سليمان بن محمد الملقب راشد الدين صاحب قلاع الدعوة دعوة الإسماعيلية، ومقدم الفرقة الباطنية بالشام، وإليه تنسب الطائفة السنانية. وهو الذي كتب إلى صلاح الدين يوسف بن أيوب جواب كتاب هدده فيه، على ما نقل ذلك ابن خلكان في وفيات الأعيان، وافتتحه بقوله:
يا ذا الذي بقراع السيف هددنا ... لأقام مصرع جنبي حين تصرعه
قام الحمام إلى البازي يهدده ... واستيقظت لأسود البر أضبعه
أضحى يسد فم الأفعى بإصبعه ... يكفيه ما قد تلاقي منه إصبعه
ثم أردف هذه الأبيات بكتاب كله تهديد لصلاح الدين. وقد كتب مرة أخرى:
بنا نلت هذا الملك حتى تأثلت ... بيوتك فيها واشمخر عمودها
فأصبحت ترمينا بنبل بنا استوى ... مغارسها منا وفينا حديدها
وفي خزانة المجمع العلمي العربي بدمشق نسخة من كتاب دفع الظلم والتجري، وسماه هناك (كتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري) وهو مخروم من آخره نقص منه بيت القصيد وهو تبرئة المعري من التعطيل، وكان أعداؤه ينحلونه أبياتاً ليصححوا دعواهم عليه انحلال العقيدة. وفي هذا الكتاب فصول جميلة في