نشأة المعري وعماه وشيوخه ورحلته إلى بغداد وقوة حافظته. وقد استفدنا منه أنه كان عند أبي العلاء أربعة كتاب في جرايته وجارية يكتبون عنه ما يكتب إلى الناس، وما يمليه من النظم والنثر والتصانيف، وكتب له جماعة من المعرة أخصهم أنسباؤه ومنهم ابن أخيه، وكان ملازماً لخدمته ويكتب له تصانيفه، ويكتب عنه الإجازة والسماع عمن يسمع منه ويستجيزه، وكتب تصانيفه بخطه حتى يقع بخطه من المصنف الواحد نسختان وأكثر. واستفدنا منه أن المعري زار دار العلم ببغداد لا دار العلم في طرابلس، ولم يكن في طرابلس دار علم، وإنما جدد دار العلم بها القاضي جلال الملك بن عمار في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة. وأبو العلاء مات قبل جلال الملك في سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
وأهم مصنفات ابن العديم على ما يظهر تاريخ زبدة الحلب في تاريخ حلب، ومنه نسخة في دار الكتب المصرية، أخذت بالتصوير الشمسي من إحدى خزائن الأستانة وهي في ثلاثة مجلدات. بدأ كتابه بجغرافية حلب والبحيرات التي في أعمالها، وما فيها من الجبال وما جاء في صحة تربة حلب وهوائها واعتدال خراجها وصفة مائها، وما ورد من الكتابة القديمة على الأحجار بحلب وعملها. وعقد فصلاً في بيان أن معاوية ومن كان معه بصفين لم يخرجوا عن الإيمان بقتال عليّ عليه السلام، وفصلاً في ذكر ما جاء في الكف عن الخوض في حديث صفين. وذكر الرواندان وعين زربة وبهسني والمرزبان والشغروبكاس وعربسوس، وفصلا في ذكر فضائل الشام، وحلب وفويق نهر حلب وما ورد فيه وذكر الغراب ومخرجه ومعرفة من حفره، وذكر جتيمان نهر المصيصة وسيحان نهر أذنة والعاصي نهر إنطاكية وحماة والبردان نهر طرسوس، وذكر البحر الشامي ويعرف ببحر الروم. وأشار إلى ما يتعلق بحلب وأعمالها من الملاحم وأمارت الساعة. وعقد فصلاً فيمن نزل من قبائل العرب بأعمال حلب ومن كان قبلهم في سالف الحقب، وهو من أهم فصول كتابه. وذكر من نزل في أعمال حلب من حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وعقد باباً في فتح حلب وقنسرين وما تقررت عليه أحكامها، ونقل شرط عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على أهل قنسرين وهو على الغنيّ ثمانية وأربعون، وعلى الوسط أربعة وعشرون، وعلى المدقع اثنا عشر يؤديها بصغار - والغالب أنها دراهم والدرهم على الأكثر عشر الدينار، ويقدر الدينار بنحو نصف جنيه مصري ذهباً - وعلى مشاطرة النازل