أني شاهدت مسرحية بالغ الممثلون في إتقان أدائها أدركت أنهم يحاولون بعث الحياة في شيء غريب عنهم وتعويض هذا الشيء ما يفقده من طبعية.
والمؤلف حين يشغل نفسه باختيار فكرة للمسرحية - كما يفعل في الكتابة العادية - يحيل المسرح إلى منصة خطابة يدعو لفكرته فوقها. ثم هو حين يعمد مرة ثانية إلى التوفر على تعقيد هذه الفكرة يفعل ذلك ليجبر المشاهد على تتبع المسرحية بفكرتها وحله لها - وهذا تحايل على الفن لا ينطلي على من ينعم النظر في بناء المسرحية الحوارية.
وهذه ظاهرة لا بد لها من تعليل عند هؤلاء الكتاب. والتي ولا شك في أنهم يختفون وراء موهبتهم في التأليف مع شيء من دراسة للمسرح والمران على كتابة المسرحية؛ ولكن يفوتهم أنهم يمارسون هنا نفس الأسلوب الأدبي الذي عرفوا به ويكررون نفس الأخطاء في كل مسرحية يكتبونها لأن المسرحية لا تكتب بالكلمات ولكنها تصور بالمشاهد والمواقف ذات طابع العرض.
ويسوقنا الحديث عن موهبة التأليف إلى القول بأن التأليف للمسرح لا يحتاج إلى الموهبة والاستعداد الكاملين فحسب بل إلى الدراسة والمران حتى يكتمل نمو الملكة المسرحية إلى النهاية، وحتى يصبح رجل المسرح كالطبيب والمحامي والمدرس الجامع بين الاستعداد والدراسة.
تأتي بعد ذلك مسألة الأداء ومن الذي يقوم به: ومن المعروف أن الطبيب يعالج مرضاه بيده ولا يدع أمرهم إلى غيره وإلا كان متناقضاً مع قواعد المهنة. أما رجال المسرح فتراهم يتناقضون مع أنفسهم وقواعد مهنتهم حين ينقسمون إلى مؤلف ومخرج وممثل، وحين ينفرد كل بجانب واحد من جوانب المسرحية يكاد ينفصل عن بقية الجوانب. فالمؤلف ينتهي دوره من كتابة الكلمات، والمخرج لا يبذل جهداً بعد إعطاء التعليمات؛ أما الممثلون الذين يحققون العمل الفني ويقومون بمهمة الأداء فلا يستطيعون أن ينكروا أنهم يؤدون شيئاً ليس لهم. وهذا هو السبب في سرعة ما يلحقهم من تعب وإرهاق، بل هذا هو السبب الحقيقي في فشل بعض المسرحيات أو النجاح المفتعل للبعض الآخر.
والذين يفرقون بين التأليف والأداء يستشهدون على ذلك بفن الموسيقى وأن بيتهوفن أرتفع بالتأليف الموسيقي إلى أسمى الدرجات دون أن يقوم بعزف مقطوعاته بنفسه. ولهؤلاء نقول