عزت هدايتهم علي بموطن ... المرء فيه جاهه أو ماله
لا أصفراه قلبه ولسانه ... بل أكبراه عمه أو خاله
وسمعت الثالث يقول:
قد صحونا اليوم من طول الهجوع ... ونفضنا النوم عنا والكرى
بعد ما أصبح وادينا المنيع ... مرتعا يرعى به كل الورى
وحسرنا الستر عن أبصارنا ... لنرى الدنيا وما صارت إليه
فإذا المجد الذي كان لنا ... قد طواه الناس واستعلوا عليه
وإذا كان غفلا في الثرى ... قد سما بين الورى وارتفعا
وتوانينا فعدنا القهقرى ... وخسرا اليوم والأمس معا
فارتقب يا نيل إنا سنعيد ... ما مضى من تالد المجد وغاب
واهتفي يا مصر بالماضي المجيد ... فغدا يحيا على عزم الشباب
نحن أبناء الفراعين الألي ... ملكوا الدنيا وشادوا الهرما
وعلوا بالمجد آفاق العلا ... وتخطوا في الخلود الأمما
وسليل المجد لا يرضي الصغار ... أو يطيق الضيم يطغي في جماه
وإذا ما هاجه الظلم فثار ... هانت الدنيا عليه والحياه
ثلاثة أصوات تتفق في الموضوع والغاية، وتختلف في الشكل والطريقة: شعر الأول جزل اللفظ فخم العبارة محكم السرد، يجري أكثره في البحور الطويلة، ويؤثر لغة الأولين فيذكر التهائم والنجود والجحاجح والصيد. وشعر الثاني والثالث مأنوس الكلم، سلس الأسلوب، متنوع القوافي، حتى ليسبق إلى ظن المقارن أن هناك مذهبين للتعبير: قديما اتبعه صاحب (الأنداء المحترقة) وجديدا اتبعه أخواه صاحب (أدب الثورات القومية) وصاحب (وحي الشباب)، وهي الدواوين الثلاثة التي أجيزت. فهل في تاريخ الشعر العربي ما يسوغ هذا الظن؟ الواقع أن ليس للقديم والجديد في الأدب العربي ما لهما من الدلالة في الآداب العالمية الأخرى: قديم الفرنسية أو الإنجليزية مثلا قد استحال أو اندرس، فلا يستعمل اليوم، وإذا استعمل لا يفهم، وإذا فهم لا يقبل؛ لأن هاتين اللغتين تطورتا مع الزمن تطورا شديدا حتى اتسع الخلاف بين حاضرهما وماضيهما في النطق والنحو والبيان. ثم تغيرت