أن يبقى غامضاً، كالأم والقلق والخيبة. . . هذه الأشادي التي يجب أن تضل كالضلال. . . وراء الأقوال. . . يدركها المرء بروحه ويستخرجها بنفسه. . .
لقد تزوجت (ميليزاند) الحسناء (جالود الأمير وكان هذا صياد ماهراً، ذا بأس وقوة. وكان أخوه بيلياس فتى غرانقاً، فأحبته ميليزاند، وأحبها. وأنهما لفي خلوة من خلوات الحب، إذ يفجؤهما خولود. . . فيثور ويغضب ويشهر سيفه ويطعن ميليزاند فتخرج، ويحاول أن ينتحر. . . ويفر بيلياس فيرى بنفسه في هوة سحيقة. . . فتتناثر قطع جسمه في جنباتها. وتموت ميليزاند بعد أن تضع غلاماً. . . وهنا تزداد الدرامة رفعة بالموسيقى. . . على أن بيلياس وجولود وميليزاند ليسوا أشخاص الدرامة الأوائل. . . وإنما كان صاحب (الدور) الأول، ذالك المجهول الذي لا يرى، رغم وجوده
كان ماترلنك، عندما كتب هذه الدرامة، متشائماً. فهو يصور القدر يسير الكون، فلا يستطيع أي مخلوق أن يقف في وجهه. فالقدر هو الذي سلط على ميليزاند الآلام القتالة بعد فرارها من زوجها؛ وهو الذي وصل بين قلبيها وقلب بلياس بالحب. . . هذا الحب العنيف الذي لا يقاوم، وهو الذي دفع جالود إلى القتل، وحال دون سعادة مخلوقين بريئين، ثم هو الذي ضرب العاشقين ضربات مؤلمات على جريمة لم يرتكباها. . . فهذه القوة التي لا ترحم. . . هي التي فعلت هذا كله. العقيدة المسيحية (تبرر) الأم بأنه عقاب أو تكفير عن ذنوب. ولكن بلياس وميليزاند لم يرتكبا جريمة، إنهما بريئان، وإنما تحابا. . . فكان الحب جريمة لا تغفر.