من جمادي الآخرة، نادى مناد من جهة نائب السلطنة حرسه الله تعالى في البلد (دمشق)، إن النساء يمشين في تستر، ويلبسن أزرهن إلى أسفل من ثيابهن، ولا يظهرن زينة ولا يداً. فامتثلن ذلك)
ومثله ما رواه شمس الدين محمد بن طولون، عن ناصر الدين ابن شبل المحتسب أنه في سنة ٨٣٠ هـ (١٤٢٦ م)(أنكر على النساء لبس الطواقي، ومنعهن، وبالغ حتى أحرق بعض القصع على رؤوسهن بما عليها من المناديل، فامتنع النساء من الخروج)
وكانت بعض النساء ينتهزن الفرص للخروج إلى المتنزهات والظهور بأزيائهن المختلفة، بما لا يكون مرضياً في بعض الأحيان؛ فكن يلقين ممانعة من أولي الأمر وامتعاضاً من مسلكهن البعيد عن الاحتشام. فمن ذلك ما نقله المقريزي في بعض كتبه، واليك كلامه بحرفه:
(وقال جامع سيرة الناصر محمد بن قلاوون: وفي سنة ست وسبعمائة (١٣٠٦)، رسم الأميران بيبرس وسلار بمنع الشخاتير والمراكب من دخول الخليج الحاكمي (خارج القاهرة) والتفرج فيه بسبب ما يحصل من الفساد والتظاهر بالمنكرات اللأتي تجمع الخمر، وآلات الملاهي، والنساء المكشوفات الوجوه، المتزينات بأفخر زينه من كوافي الزركش والقنابيز والحلي العظيم، وينصرف على ذلك الأموال الكثيرة، ويقتل فيه جماعة عديدة. ورسم الأميران المذكوران أن لمتولي الصناعة بمصر أن يمنع المراكب من دخول الخليج المذكور، إلا ما كان فيه غلة أو متجر أو ما ناسب ذلك. فكان هذا معدوداً من حسناتهما ومسطوراً في صحائفهما)
ومثل هذا الإنكار والمنع شئ كثير في كتب التاريخ والأدب لا يسعنا استقصاؤه في هذه النبذة. وقد اكتفينا بذكر بعض الأمثلة، لما فيها من فائدة بكونها تطلعنا على بعض أصناف ملابس وأزياء النساء كانت شائعة بين القوم في المائتين السابعة والثامنة للهجرة
ولا نريد أن نطيل الكلام الآن على الأوامر الجائرة التي أصدرها الحاكم بأمر الله في هذا الصدد. فهي في جملتها إجحاف بحقوق النساء وإرهاق لهن، ولم يكن فيها ما يستند إلى عقل ويحتكم إلى منطق، إنما كان ذلك دأبه في غالب أوامره ونواهيه. من ذلك ما رواه ابن تغرى بردى في حوادث سنة ٤٠٤ هـ (١٠١٤ م) أنه (منع النساء من الخروج من