للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مصلحة الفرد لا ينبغي أن تذوب هذا الذوبان في مصلحة الجماعة. ذلك أدنى إلى أن يكون العلاج أنجع والشفاء أتم. أما أن تكون القاعدة في رأي الأستاذ الخولي أن الفاضل لابد أن ينجح، والرذيل لابد أن يخيب، إذا تساويا في الاستعداد والاجتهاد والكفاية، فإذا وقع العكس كان شذوذاً يؤكد هذه القاعدة ولا يهدمها، فذلك على ما أظن حكم لا يصححه القياس ولا يناصره الواقع. وليس الأستاذ الخولي بالرجل الذي نضرب له الأمثال من الماضي، ونذكر له الشواهد من الحاضر، فإنه يعلم علم اليقين أن تاريخ الدنيا يسجل في كل زمان وفي كل مكان أثر الرذيلة الخطير في النجاح الخارق، سواء أكانت الرذيلة في الناجح أم فيمن يلابسه. هذان فرسان رائعان اشتركا في خصائص القوة والفتوة، ثم ضُمِّرا على نمط واحد، وركبهما في السباق فارسان على كفاية واحدة؛ فلو أنهما تراكضا بالحق لاستوليا معاً على الأمد؛ ولكن صاحب أحدهما حقنه بمادة يعرفها بياطرة السباق ويحظرها القانون، فجعلت من كل شعرة فيه جناحاً بلغت به الغاية قبل أن يتوسط قِرْنه الميدان. وأحرز الفرس المحقون الرهن الضخم فأصبح ملك الخيل وسبع الليل. وشبيه بهذين الفرسين رجلان تماثلا في الشهادة والكفاية والاستعداد والخلق، ثم سارا معاً في طريق الحياة جنباً إلى جنب، وكان لأحدهما زوجة جميلة لبقة، فحقنت زوجها حقنة تعرفها هي، جعلته في اليوم التالي سيداً للناس ورئيساً على الآخر. لا يستطيع المسبوق أن يستعد لمثل هذه الرذيلة لأنه لا يعرف مأتاها، ولو عرف لما استطاع أن يحتقن بمثل هذه الحقنة وهو عالم. ولو تقصينا أسباب النجاح السريع - وهو الكثرة الفاحشة - لوجدنا هذه الحقنة هي جماع تلك الأسباب في شكول مختلفة. وحصر الدعة واللذاذة في الثراء الحلال البطيء آت من شعور الأستاذ نفسه. فإنه إذا لم يجد المراءة والهناءة إلا في لحم الخروف، وجدهما ألوف غيره في لحم الخنزير. وإذا عد الأستاذ تاجراً من تجار الغلال أثري بطيئاً وهو وادع بفضل الخلق، عددنا له ألفاً من تجار المخدرات أثروا سراعاً وهم آمنون بفضل الشُّرَط

يقولون إن نجاح الأخلاق الفاضلة مشروط باستعداد الفاضل. والاستعداد أهبة الكفاح ووسيلة النجاح ما في ذلك شك؛ ولكن كيف اتفق أن يكون أكثر الأراذل قادرين وأكثر الأفاضل عجزة؟ لقد ذكَرْنا بذلك فكاهة من قال إن أكثر أهل الجنة الأغفال والبُله من النساك والمشعبذين والجهلة، وأكثر أهل النار العباقرة والأفذاذ من الفلاسفة والحكام والقادة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>