ناقض بعضهم بعضاً، واستجاد هذا ما استرذل ذاك، وظل المرجع الأول في نقد الأثر الأدبي إلى ذوق النقد وتكوينه الفكري، وظل كل أثر أدبي من شعر أو نثر يحمل في طياته المبادئ التي يجب أن ينقد على حسبها، بل رأى وردزورث - وأصاب - أن الناقد الذي يُقبل على نقد أثر أدبي، وقد كون لنفسه مبادئ ثابتة غير أهل للحكم على ذلك الأثر أو غيره.
وللنقد صور شتى: فالأديب هو أول ناقد لأدبه، وإنشاء الأثر الأدبي عملية مكونة من الخلق والنقد معاً؛ ومن الأدباء من يعرض ما ينشئ على رفاقه، ويستمع إلى ملاحظاتهم عليه؛ وكان ذلك معروفاً بين العرب قبل أن تذيع الكتابة، كما كانوا يعرضون أشعارهم على النقاد في الأسواق الأدبية، ولتمكن الملكة البيانية من العرب كان كثير من أمرائهم نقادة حفصاء للأدب. ويروى لعبد الملك والحجاج وسيف الدولة مع مداحهم: كثير وليلى الأخيلية والمتنبي نوادر في ذلك، فكثيراً ما كان الأمير أبصر بالأدب ونقده من مادحه؛ فلما ذاعت الكتابة وانتشرت الثقافة ظهرت كتب النقد.
وكتب النقد أنواع: فمنها ما يدرس مبادئ الأدب وغاياته ووسائله ويدخل في هذا الباب كتب البيان والبلاغة والعروض والقافية، وهي كل ما يمكن أن يتفق عليه النقاد من مسائل النقد. ويشترك الأدبان العربي والإنجليزي في وفرة هذا الضرب من كتب النقد الأدبي فيهما؛ ومن كتب النقد ما يدرس أديباً واحداً أو جملة أدباء على منهج خاص من الدراسة، كالكتب الكثيرة المؤلفة في دراسة شكسبير وملتون ووردزورث وتنيسون وهاردي؛ ومنها ما يدرس نوعاً خاصاً من الأدب كالقصة أو الشعر الغنائي، ومن ذلك كتاب أبن كرومي عن الملحمة؛ ومنها ما يدرس عصراً يوضح عوامل الأدب ومظاهره فيه وآثار فحوله، كالعصر الاليزابيثي والعصر الفيكتوري؛ ومنها ما يدرس من عصور أدب اللغة جملة: وتلك هي كتب تأريخ الأدب، وليست في صميمها إلا نقداً، وهي حديثة العهد.
وكل هذه الأنواع نادرة في الأدب العربي وبعضها لا يوجد به، وإنما الضرب السائد فيه هو ذاك الذي توخاه مؤلفو البيان التبيين والكامل ويتيمة الدهر: من تناول الأدباء بغير نظام وسرد بعض آثارهم والتعليق المقتضب عليها؛ وتلك هي كتب الأدب التي لم يكن الغرض منها درس أولئك الأدباء والإماطة عن جوانب نفسياتهم وأسرار نبوغهم، بل كان الغرض