تقتصر على الذين يشعرون بالحاجة المعيشية فقط، لأن الضعف والاعتلال اللذين يحيقان بمجتمعنا لا ينحصران في الطبقات المحرومة من الثروة ولكنهما يعمان الكافة، فيكون نصيب أصحاب الأموال أشد مما ينال صغار الناس منهما. أما ترى اليوم ماذا أصاب أصحاب رؤوس الأموال الطائلة من البؤس والإقلال بسبب الأزمة الحاضرة، حتى أن صاحب مئات الفدادين أصبح لا يجد ما يقوت به نفسه. وتعرضت أملاكه للبيوع الجبرية؟ ومنهم من تجرد من جميع ما كان عنده فأصبح معوزا لا يملك شروى نقير ولا يصلح لأي عمل! وما ظنك لو اشتدت وطأة هذه الأزمة أو امتد عهدها سنتين أخريين أو ثلاث سنين اخرى؟ دع مصر جانبا وانظر إلى أعلى الأمم كعبا في الثروة والمدنية، ألم تجد الأحوال فيها شرا مما نحن عليه. ألم توصد عشرات من المصارف أبوابها. ألم تسد منافذ الارتزاق في وجوه الملايين من أبنائها؟ ألم ينضب معين الثروة في خزائن حكوماتها فاضطرت لضرب الضرائب الفادحة على مموليها؟ ألم يتناول الضغط على نفقاتها مرتبات موظفيها فأسقطت نحو الثلث من مرتباتهم ولا تزال تهددهم بتخفيضات جديدة؟ هذه كلها عبر يجب أن نتأمل فيها، وأن نعمل على تلافيها. وإذا كان الأمر من الخطورة عند هذا الحد أفلا يكون أوجب الواجبات أن نحاول ألا يتسرب قرش واحد إلى خارج بلادنا إلا إذا كان في حاجة ماسة، ولضرورة قصوى؟ وهذا ما تفعله كل أمة وتتشدد فيه اليوم شعورا منها بان دولاب الأعمال مادام معطلا وحركة المبادلات بطيئة، وجب ان ينحصر مال الأمة في بلادها حتى لا ينضب معينه فيها فتصاب بأشد ضروب الإعسار ولا كرامة. وما دمنا قد شبهنا ثروة الأمة في مجموعها بدم الحياة للفرد الواحد، فقد ساغ لنا ان نشبه خروج تلك الثروة من بلادها دون أن تستعيض عنها من طريق المبادلات ما يعادلها، بداء النزيف الدموي. فالأمة التي لا تبالي في مثل هذه الأحوال بتسرب ثروتها إلى خارج ديارها، يكون مثلها كمثل فرد أصيب بالنزيف وحكم عليه فوق هذا ألا يستعيض عما يفقده بتناول المواد المعوضة. ولست أستطيع بعد هذا أن احدد تبعة من يتجرأ على تبديد ثروة البلاد خارجها بالتعويل على الواردات الأجنبية التي يجد في بلاده ما يقوم بحاجته منها، قد يكون ما يجده منها في بلاده اقل جودة، أولا يفي بمرامه من كل وجه، فهل يجوز أن يحمله ذلك على الانصراف عنه محولا جزءا من ثروة الأمة إلى ثروة أمة أخرى، في وقت هي أحوج ما