بريطانيا حائرة بين إرضاء أمريكا وإرضاء العرب، وهي لا تستغني عن أمريكا، ولا يوافقها أن تغضب العرب عليها، فإن بها حاجة إلى أسواقهم وبها حاجة إلى معونتهم إذ تأزمت الأمور وفسد ما بينها وبين روسيا. ثم هي تسعى للاقتراض من أمريكا لتفرج ما هي فيه من أزمة مستحكمة، وتود أن تضمن عونها أيضاً حيال روسيا.
وهذه حيرة لا تبعث على الاطمئنان، فيحسن بالعرب أن يتولوا بأنفسهم جميع أمرهم، وأن لا يعولوا في إحباط مساعي الصهيونية على أحد غيرهم، فإذا أنصفتهم بريطانيا فبها، وإلا مضوا في سبيلهم حتى يقضي الله بينهم وبين الصهيونيين.
ودعوتي هي إلى المقاطعة التامة الجامعة المانعة لكل ما هو صهيوني، لا في فلسطين وحدها، بل في البلاد العربية جميعاً، فقد غزا الصهيونيون أسواقها بسلعهم مغتنمين فرصة الحرب وقلة الواردات من الغرب. وليكن العرب على يقين جازم بأن هذا سلاح ماض، وانهم إذا نجحوا في مقاطعة الصهيونية، ارتحل القوم عنهم مؤثرين العافية.
ولا سبيل إلى نجاح المقاطعة إلا بالتنظيم وحسن التدبير، فما تصلح الأمور فوضى. وأظن أن هذا سلاح تستطيع جامعة الدول العربية أن تشهره وتصيب به الصهيونية في مقاتلها دون أن تحتاج إلى سلاح سواه. ولن يلومها أحد فيه إذا هي استخدمته فإنه وسيلة سلمية للدفاع عن النفس، وله مزية أخرى هي أنه يعلم الأمم الغربية أن العرب ليسوا كما مهملا يقضي في أمرهم بغير رأيهم. والغرب يجيد فهم هذه اللغة - لغة المقاطعة - وهو أحرى بأن يكون أحسن فهماً لها بعد هذه الحرب التي هبطت بتجارته إلى الحضيض الأوهد، وتركته أشد ما يكون حاجة إلى أسواق الشرق الأوسط خاصة.
وثم وسائل أخرى كثيرة، ولكن هذه الوسيلة أول ما يجب البدء به، ونجاحها مكفول فلنتوكل على الله، فما زال صحيحاً أنه ما حك جلدك مثل ظفرك