ضحكي عبارة بين العربية والإنجليزية، فهي عربية الحروف إنجليزية النطق، الأمر الذي جعلها في جملتها قردية اللهجة والجرس. . . وكانت لا تسعفه ذاكراته أو كان يتكلف أن ذاكرته لا تسعفه ببعض الألفاظ العربية، فكان ينطق بها إنجليزية ثم يسرحها لنا كأنما يثق أننا لا نفهم تلك اللغة فهمه؛ وكان يكرر قوله:(لما كنت في إنجلترا. . .) كأنما يخشى أن ننسى أنه كان هناك، وهو يقدم تلك الحقيقة بين يدي حججه ليجعلها بذلك قاطعة صادعة
وليته ظل ساكتاً فلقد حمدت الله تعد كلامه الطويل على عقليتي الشرقية. . . وحيا الشاب تحية نصفها شرقي ونصفها غربي، وانطلق هو وصاحبه، والتفت إلى أحد أقراني وقال: أرأيت الدليل المادي على صحة ما أقول؟ وقال آخر: ما لهؤلاء لا يتكبرون ولا يزهون وقد افترضت الدولة فيهم الكفاية لمجرد ذهابهم إلى أوربا وإن بدا لها من أكثرهم تقصيرهم في أعمالهم، وافترضت في كثير غيرهم ممن لم ينالوا شرف الاغتراب الجهل وإن بدا لها فطنتهم فيما يناط بهم؟
وقلت في نفسي متى يفهم هؤلاء أن ليس بين التكلف والصعلكة كبير فرق؟ وأن في المصريين من سافروا مثلهم فتلقوا العلم في أوربا، ثم عادوا إلى وطنهم محتفظين بمظاهر قوميتهم فإن قلدوا غيرهم قلدوهم في العظائم، وأخذوا عنهم ما يشرفهم أخذه، ونبذوا ما يشينهم من سخيف المحاكاة. . .
وساورني خيال غريب عن أولئك المتكلفين، وذلك أنهم يضعون أنفسهم موضع السلعة في السوق، والسلع الإنجليزية يكتب عليها عادة (صنع في إنجلترا) لتزحم غيرها في الأسواق، وهؤلاء يباهي الواحد منهم بأنه - على حد تعبيره -