إليه (. . . إن البحر خلق كبير يركبه خلق صغير، ليس إلا السماء والماء. إن ركد أحزن القلوب وإن ثار أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلة والشك كثرة. هم فيه دود على عود. إن مال غرق، وإن نجا برق. . .) فكان هذا سبباً في منعه المسلمين من ركوبه. وجاء أيضاً أن عمر بن الخطاب كثيراً ما عنف الذين يخوضون عبابه، فقد عنف عرفجة بن هرثمة الأزدي لركوبه البحر حين غزوه عمان. ولا شك أن السبب في منع الخلفاء هو خوفهم على أرواح المسلمين لأنهم لم يكونوا أهل بحر ولم يتعودوا السير على أعواده. وبقي الأمر على هذه الحال إلى أن اتسعت الفتوح الإسلامية وأصبح من العسير بل من المستحيل حماية بعض البلاد ولا سيما وقد أصبح العرب مجاورين الرومان ورأوا أن الحاجة ماسة لحماية الشواطئ، ومن هنا بدأ اعتناؤهم بالملاحة فأخذوا في إنشاء السفن مثل الرومان، وفي مدة وجيزة صارت لهم دراية وخبرة بالبحار وركوبها وطافوا أشهرها وقهروا محيطات العالم واتصلوا بالبلاد البعيدة وعرفوا عنها الشيء الكثير. مهروا في صناعة السفائن وأنشئوا لذلك دوراً عظيمة وصار لهم في مختلف الأنحاء أساطيل أصبحت عرائس البحار وزينة الشواطئ متقنة الصنع كثيرة العد، تفننوا في صنعها وأدخلوا تحسينات جمة على آلاتها ومعداتها، ووضعوا لها الخرائط والمصورات البحرية وكانوا على علم بالأوقات الملائمة لخوض البحار وعلى معرفة تامة بأوقات هبوب الرياح. اتخذوا المنائر في المرافئ وفي المواضع الخطرة لهداية السفن واستعملوا الإبرة المغناطيسية لتعيين الجهات
ولا حاجة إلى القول إن أساطيلهم كان لها أثر كبير في ازدياد قوة الإسلام واتساع رقعته، فلقد تمكن العرب بواسطتها من فتح سردينيا وصقلية وقبرص ومالطة وكريت، وكذلك تم لهم الاستيلاء على كثير من شواطئ البحر الأبيض المتوسط وبعض شواطئ فرنسا. ولقد وصل الأسطول الإسلامي الأندلسي في عصر عبد الرحمن الناصر إلى مائتي مركب، وكذلك أسطول أفريقيا إذ وصلت أساطيل المسلمين في دولة الموحدين من العظمة والفخامة إلى ما لم تصل إليه في أي عصر آخر وبلغت في أيام المعز لدين الله بمصر ستمائة قطعة. وجاء في مقدمة ابن خلدون أن عدد أساطيل المسلمين في أوربا وأفريقيا في القرن الخامس والسادس للهجرة وصل إلى مائة أسطول!. . . وكانت أساطيلهم هذه على أنواع، منها التجارية ومنها الحربية، والأخيرة تتركب من سفن ومراكب مختلفة منها ما هو خاص