التي يدفع بها إلينا الغرب ونتلقاها نحن عنه، سواء في الثقافة وتنوع أغراضها، أو الاجتماع وتعدد مراميه؛ وكان أن أخذت أنقل إلى العربية آثار كبار شعراء الغرب وأدبائه من أمثال شكسبير وكورني وراسين وفيكتور هوجو، وألفريد دي موسيه وغيرهم من الإنكليز والفرنسيين، متوخياً أن تكون نماذج أدبية سواء في روعة أخيلتها، أو تعدد مقاصدها، أو سعة أفقها، أو ما تحمله في طواياها من جدة المعنى وروعة اللفظ وبراعة الأداء.
ثم حاولت أن أقحم في الشعر العربي نظم (الملحمة) وما كان له أن يدخل في هذا الفن إلا إذا تحلل من وحدة الروى، ولكني أردت بتجربة منظومة أن أبين نهاية ما يستطاع بالروي الواحد، أنشأت على سبيل المثال قصيدة (نيرون) في نحو من أربعمائة بيت من بحر واحد ورويّ واحد، تخيرت لها حرف الراء حتى أبرز للقراء أقصى ما تصل إليه طاقة الناظم بالقافية الواحدة. على أن اللغة العربية تعطى في الروي الواحد ما لا تعطيه لغة أخرى بإطلاق. ولكن التزامه فيها من أسباب ضعف التبسط إذا أريد القصص الطويل، أو الوصف الدقيق بالتحليل والتفصيل، فلهذا عمدت بما قدمته من المثال إلى أن أصور للأذهان أين موضع العجز عندنا عن مجاراة الشعر القصصي والوصفي والتحليلي عند الأمم التي لم تلتزم وحدة القافية.
وقد انتفع بمحاولاتي ومحاولات أخر من شعراء عهدي، نفر غير قليل من شعراء هذا الجيل، وتمسك آخرون بما ورثناه عن شعرائنا الأقدمين؛ ومازلت أؤمن بصدق نظرتي في أن التزم القافية الواحدة هو الذي يقعد بالشعر العربي عن مجاراة نظيره في آداب الأمم الأخرى التي لا تلتزم قافية واحدة كما يقعد بالشاعر عن التحليق فيما يرد من آفاق بعيدة المدى. . ولن يعيب القدماء ما آثروا للشعر من النهج، ولن ينقص من جمال ما أتوا به من الروائع، ولكن ما لا ريب فيه هو أن طبيعة الحياة قد تغيرت عما كانت عليه من قبل، إذ تعددت مناحيها، وتشعبت مراميها، وتباعدت أطرافها. وما كان لنا في ظروف حياتنا وما تزودنا به حضارة العلم الحديث من وسائل شتى للعيش، وضروب مختلفة للترفيه، أن نظل كآبائنا في نطاق محدود من الخيال ووسائل الفن. ولن يتأتى لنا - فيما أرى - أن نجاري ما يتحفنا به أدباء الغرب من روائع، إلا إذا تحللنا من ذلك القيد الذي ظل الشعر العربي