أما الفصل الثاني فيتصدى لبحث وجود المادة، ويأخذ بمنهج ديكارت الذي يبدأ بالشك للوصول إلى اليقين، وبإثبات الذات لإثبات الموضوع إلا أن الذات التي يثبتها ديكارت لا يلزم أن تكون دائمة؛ بل قد تكون الأنا المدرك في لحظة إدراكه. وإذا صح أن أفكارنا ومشاعرنا الخاصة، وكذلك الأحلام والأوهام والإدراكات الحسية العادية هي ما يتصف باليقين الفطري؛ فقد لا تكون هذه رموزاً وعلامات للشيء الطبيعي المراد إثباته. وهنا نقف حائرين مع المؤلف بين نوعين من البرهان: الإدراك العادي البسيط يظهرنا على أن المائدة وغطاءها وأدوات الطعام فوقها ليست مجرد معطيات حس لا حقيقة لها، وحين أشترى المائدة لا أشترى مجموعة معطيات حس صاحبها؛ بل شيئاً حقيقياً. وحين تتفق مجموعة من الناس على رؤية مائدة - مع فارق بسيط - لا يتفقون إلا على وجود حقيقي. . . بينما المنطق يرى أن ليس ما يمنع من افتراض أن العالم يتكون - كما عند بركلي والمثاليين عموماً - من ذاتي وأفكاري وشعوري وإحساسي، وما عدا ذلك فهو وهم وخيال؛ وأن الحياة ذاتها حلم نبدع فيه بأنفسنا كل ما نتمثله أمامنا؛ فقد يكون وجودهم أنفسهم من صنعنا، وهم حلم يتراءى لنا. . . وينتهي هذا الفصل بالأخذ بالإدراك العادي البسيط القائل بالنظرية الطبيعية، ووجود أشياء لا يعتمد وجودها على إدراكنا. ونحن مهيأ ون للاعتقاد بها بالغريزة، ولا أستطيع رفع هذا الاعتقاد حتى يقوم الدليل على خطئه وتناقضه مع غيره. وإذا كان من بين هذه الاعتقادات الغريزية ما هو أقوى، وما هو شبه غريزي دخيل؛ فإن مهمة الفلسفة أن تبحث أيُّ هذه البديهيان والمسَلمات أولى بالقبول أو الرفض أو التعديل. وإلى أن تنهض بهذا التنظيم والفحص النقدي يجب أن نأخذ بهذه المعتقدات في شيء من الحيطة والشك.
وإذ ثبت أن الظاهر الحسي دليل على الحقيقة الموضوعية يشرع رسل في بحث ماهية المادة، فيفند التفسير العلمي الفرضي الناقص من حيث نظرته للضوء والصوت وغيرهما بوصفها حركات تموجية؛ مع أنها في حقيقتها أكثر من هذا: إدراك نحسه بالسمع والبصر ولا نستطيع وصفه أو نقله للأعمى أو الأصم. وينقد كذلك نظرة العلم إلى المكان والزمان العامين المحايدين للشيء الحقيقي (المكان والزمان العام كما يسميهما) بصرف النظر عن