للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مكاننا وزماننا الخاصين كمدركين للأشياء الطبيعية في المكان والزمان العلميين. . . يريد رسل أن يخلص من هذا مرة أخرى إلى توكيد التفرقة بين الشيء الطبيعي في المكان الطبيعي والزمان العام؛ في مقابل معطيات الحس في مواضع مكانية خاصة وزمان تقديري خاص (والأولى منها لا نعرفها في ذاتها؛ بل نعرف نوع تنظيمها نتيجة علاقاتها المكانية)، وإلى تقرير أن هذه الخواص والعلاقات القائمة في مقابل الأشياء الطبيعية ومعطيات الحس هي ما يمكن معرفته؛ أما الماهية فتبقى مجهولة؛ برغم أن معطيات الحس إن لم تكن هي الأشياء الطبيعية على حقيقتها؛ فإنها تشبهها قليلاً أو كثيراً.

أفليس ثمة إذن دليل على أن للمادة الحقيقية التي سلمنا بها. ماهية معلومة؟ يرى الفلاسفة المثاليون - وعلى رأسهم كل موجود فهو عقلي - حتى المادة ذاتها - ويدفعون عن مذهبهم بأدلة مستمدة في معظمها من نظرية المعرفة والشروط التي يجب توافرها في الأشياء لنعرفها. وعندهم أن وجود الشيء هو إدراكه، وحين يقال لهم إن الأشياء توجد حتى ولو لم ندركها حينئذ، وهو سر وجودها. فما يسميه رسل (الشيء الطبيعي) هو عندهم (أفكار في عقل الله) وما يسميه معطيات الحس هو مشاركتنا نحن الجزئية في هذه الأفكار. ويأخذ رسل على هذا المذهب (ويحسن أن ترجعوا إلى مذهب بركلي على الأقل لتقفوا على نموذج من المذهب المثالي في مصادره):

١ - أن الذي في عقولنا هو فكرة الشيء لا الشيء نفسه.

٢ - يثير بركلي مشكلة أخرى هي: ما يعرف مباشرة يجب أن يكون في العقل؛ بدلاً من مشكلته: وجودالشجرة ولو لم ندركها.

٣ - فكرة المائدة مثلاً يمكن تحليلها إلى فعل إدراك (هو عقلي لا شك) وشئ مدرَك (لا يمكن أن يكون عقلياً بحال). وبالجملة يرى رسل أن بركلي قد خلط بين الشيء موضوع الإدراك وفعل الإدراك ذاته، وأخذ كلمة فكرة بمعنى الأشياء المدركّة، فجعل المدرك والإدراك شيئاً واحداً؛ بينما التميز بينهما ضروري، لأن قدرة العقل إنما تقوم في تحصيل معرفة خارج ذاته؛ أي إدراك ما ليس بعقلي. فهو قد أخطأ في الشكل والموضوع. أما النظرية التي تقول إن ما يثير أهمية لدينا لا يمكن أن يكون حقيقياً، وبالتالي لا يمكن أن نعرف أنه يوجد شيء نحن لا نعرفه؛ فهي نظرية واضحة البطلان تقوم على الرغبة

<<  <  ج:
ص:  >  >>