يزال الكثيرون موزعين في القاهرة والإسكندرية وغير ذلك من مدن القطر، ويرسلون إلى أهليهم بعض ما يكفيهم من المؤن والنفقة، ولهذا يكثر النساء والأطفال والشيوخ في البلاد كثرة تفوق الحد وتسترعي النظر والاهتمام، وتتجسم هذه الظاهرة بوضوح عندما يحل فصل الصيف فيسافر تلاميذ المدارس الابتدائية والقسم الثانوي في عنيبة إلى ذويهم وأولياء أمورهم في شتى مدن القطر، فلا يكاد يقع نظرك حينئذ على شاب أو صبي!.
وما أحوج النوبة إلى أيدي أبنائها الذين هجروها ولا يزورونها إلا في النادر القليل، ولا يكاد يمكث الواحد منهم أكثر من بضع ليال، أو بضعة أيام، ريثما تعود الباخرة التي جاءت به لتحمله مرة أخرى إلى الشلال، حيث يتمتع في مكان عمله بما لا يجده في وطنه الأصلي من متع ولذاذات. . .
أجل، ما أحوج النوبة إلى أيدي شبابها وسواعدهم وبخاصة في هذه الأيام التي تتجه فيها الحكومة المصرية إلى تنفيذ المشروعات النافعة التي تجعل من هذه المنطقة جنة وافرة الظلال دانية القطوف تمسح عن أهليها كل ما قاسوه من آلام جسام، وأهوال عظام، في سبيل رفاهية مصر وسعادة أبنائها وزيادة ثروتها وكثرة خيراتها عن رضا وإيمان بحق الوطن في التضحية والإيثار!!.
والمالكون قليلون، فأكثر الذين أخذوا التعويض من الحكومة أنفقوه على أنفسهم وملاذهم، أو في بناء بيوتهم التي أغرقت هي الأخرى لانخفاضها عن منسوب التعلية الأخيرة، وكان الأجدر بالحكومة أن تعوضهم بدلاً من أرضهم التي انتزعت منهم أرضاً مستصلحة معدة للزرع والنتاج. . .
وفي النوبيين أناس على درجة من الفطنة والذكاء والميل للأعمال الحرة، وقد قام هؤلاء بتكوين شركات زراعية وجلبوا لها أحدث الآلات الزراعية على اختلاف أنواعها مما تقوم باستصلاح الأراضي البور وحرثها وريها وإعداد الغلات وغير ذلك.
وتكثر في بلاد النوبة بعض الصناعات اليدوية الصغيرة كصناعة الأطباق والحصر والسرر من الخوص والقش والجريد، ويتجلى فيها الذوق الفني السليم ودقة الصنع، ويقوم بهذه الصناعات في الغالب النساء والفتيات في بيوتهن، وتعني الحكومة الآن بدراسة هذه الناحية بواسطة بعض مبعوثيها لإدخال بعض الصناعات الصغيرة التي تناسب البيئة