للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جمالها لم يكن له دخل في هذا التأثير - (لأنه آلى على نفسه ألا يزعجه شيء من هذا القبل) بل كان تأثره بسبب الحزن الذي رآها فيه، فنزل من المنزل ليعزي تلك السيدة بفلسفته، فروت له الجميلة بإبسط اللهجات وأشدها تأثيراً ما تتألم منه. وشكت له من عم تتخيل وجوده يريد أن يحرمها ثروة تتوهما. وقالت: يظهر أنك رجل حكيم، وإنك لتنقذني من متاعبي إذا أتيت إلى منزلي ودرست قضيتي وأشرت علَّى بالرأي الذي تراه

فلم يتردد ممنون في اتباعها لدرس قضيتها دراسة فلسفية وليشير عليها بالرأي الراجح

وقادته المرأة الجميلة إلى حجرة تفوح منها روائح العطر وأجلسته على نمرقة متسعة وجلست أمامه جلسة المتحدث إلى من يتحدث وقد تقاربت إقدامهما، وكان إحداهما يقص قصته والآخر يصغي إليه أتم الإصغاء

وكانت السيدة تتكلم وهي ناظرة إلى الأرض والدموع تنحدر من عينيها بين حين وحين. ثم ترفع بصرها لتنظر إلى وجه الحكيم ممنون. وكان الحديث في منتهى الرقة، وقد زاد عطف الفيلسوف وسر بأن يكون في وسعه تخفيف الألم عن مخلوقة بهذه الدرجة من الجمال، وهذه الدرجة من التعاسة. ولما اشتدت حرارة الحديث جلس المتحادثان المتقابلان جنباً لجنب، وتدانى الساقان، وكان ممنون يمنحها من نصحه الرقيق ومن عطفه حتى صار كلاهما لا يستطيع الكلام عن الموضوع الذي كانا يتناولانه. وحتى صار كل منهما لا يدري أين هو وفي مثل هذا الحين من الذي يظن أنه يأتي إليهما غير العم الذي كانت تشكوه؟ لقد جاء مسلحاً، وكانت أولى كلماته أنه سيضحي بالحكيم ممنون، وبنت أخيه، وقد أسرعت الأخيرة ففرت، وهي موقنة بأن صاحبها سينجو إذا اشترى حياته بكل ما معه من المال وقد اضطر إلى بذل ما معه ليفتدي نفسه وقد كان الناس في ذلك العهد سعداء لأنهم يستطيعون النجاة، بسهولة بمثل هذه الوسيلة. وكانت أمريكا لما تستكشف بعد، وكانت السيدات التاعسات أقل تعرضا للخطر مما هن عليه الآن

وخرج ممنون من المنزل متعثراً بأذيال الخجل فذهب إلى منزله. وهناك وجد دعوة لتناول العشاء من بعض أصدقاءه الخلصاء، فقال في نفسه إذا بقيت وحدي في المنزل فإن ذهني سيظل مشغولاً بالتفكير في حادثة اليوم، ولا أستطيع أن أتناول لقمة، وربما جلب إلى ذلك مرضاً، ولذلك سأذهب إلى أصدقائي، وسأنسى في مجلسهم ما ارتكبته اليوم من الحماقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>